الهوية الوطنية هي الهوية الجامعة وهي صمام الأمان لأي مجتمع ولا سيما المجتمعات المتعددة الاطياف والمختلفة الألوان والمكونات من دينية ومذهبية وعرقية.. الخ. وفي المقابل فإن العكس هو الصحيح، فعندما تطغى وتهيمن الهويات الفرعية الأديان، المذاهب، الأعراق.. الخ يصبح المجتمع أي مجتمع كان امام كافة الاخطار المحتملة والمقبلة على ما يمكن ان نسميه اصطراع الهويات وليس صراعها واحترابها شديد البأس وشديد القوة. وما أسموه بـ الربيع العربي خلّف فيما خلف هيمنة ثقافة الهويات العربية التي سرعان ما أنتجت في ظروف الفوضى والانفلات التي عمت سيطرة مطلقة لهذه الثقافة الخطيرة على الوجدان العربي في عمومه ورشح عنها وانتشر كما النار في هشيم الربيع العربي خطاب يومي متواصل وعلى مدار الساعة يحلل ويفسر ويعود بكل ما حولنا إلى جذره الطائفي البغيض ويؤوله تأويلاً طائفياً منحازاً مع أو ضد. ومواقف مع أو الضد اصبحت تُتخذ على اساس الانتماء الطائفي والمذهبي فكان الفعل ورد الفعل يتأسس على الهوية الطائفية والمذهبية، واصبحنا معسكرين في هذا الوطن العربي مع مقولات وخطابات وشعارات معسكر يزيد ومعسكر الحسين واستحضرنا من الماضي السحيق مفردة الظالم والمظلوم لتتحول المظلومية إلى مفردة نقرؤها في كل خطاب على امتداد عالمنا العربي. الربيع العربي أسدل ستار النهاية على مفهوم الهوية الوطنية ودفنها تحت انقاض خريفه وهي التي كانت في يوم ما ملء الاسماع والأبصار وحجر رحى الافكار مهما اختلفت ايديولوجياتها وتباينت سياساتها واساليبها. صحيح ان مطلع ثمانينات القرن الماضي العشرين قد اطلق صراع الهويات الفرعية في بعض مناطق العالم وكنا نتوقع ان كوارث ومصائب ومآسي اصطراعها سيكون لنا درساً وعبرة، ولكننا اندفعنا إلى طوفانه بلا تروٍ ولا تفكير. احدى الوفاقيات الناشطات وقتها 2006 اتصلت بي شخصياً تحتج وتستنكر عدم استضافتي في برنامجي التلفزيوني الحواري احد مترشحي الوفاق.. وقبل ان اقول لها بأننا عرضنا الاستضافة على حسن مشيمع وكان يومها نائب امين عام الوفاق قدم شروطاً تعجيزية كعادة الوفاق قبل اي حوار ما أضاع فرصة الاستضافة التي تتحدث عنها الطبيبة الوفاقية التي لم تستمع لجوابي وختمت استنكارها بسؤال استنكاري قالت لا تستضيفنا لاننا ايمانيون؟؟. هذا التوصيف ليس زلة لسان الطبيبة الوفاقية آنذاك، فالوفاق عندما اصدرت واعلنت قائمة مترشحيها ذلك العام تصدرت الاعلان عبارة القائمة الايمانية. وهو ما يكشف في الوعي واللاوعي الوفاقي ثقافة الاقصاء عندما تحتكر الايمان لقائمتها وقائمة مترشحيها، وهذا جزء من ثقافة ومن فكر الهوية الفرعية عندما تهيمن. فالهوية الفرعية طائفية كانت أو مذهبية دينية أو عرقية أو غيرها تكرس حين تطغى وتسيطر الاستعلاء الذاتي ومن جهة والاقصاء والإلغاء من جهة أخرى فكل من هو خارج هويتها الفرعية هو أدنى وأقل. فيما تشكل الهوية الوطنية الخيمة الكبيرة الاوسع لكل فسيفساء المجتمع وتتقزم مع وجودها وهيمنتها الهويات الفرعية التي تشكل خطورة على المجتمع عندما تخرج عن حدودها وتهيمن. وأخيراً نحن هنا لسنا بصدد إلغاء أو استصغار أو احتقار الهويات الفرعية بكل اشكالها المشار إليها آنفاً.. ولكننا بالضد من سيطرتها إلى درجة إلغاء الهوية الوطنية وتلاشيها من ثقافتنا ووجداننا لتظل مجرد مفهوم استهلاكي في خطابات هي بالأصل تمجد وتكرس الهويات الفرعية وهي التي اشاعتها وروجت لها وسوقتها بهذا الاسلوب الذي غدت معه مصدر تهديد كبير لوحدة المجتمعات او تماسكها. وملف الهويات الفرعية لخطورته يحتاج إلى مزيد من النقاش والحوار والسجال الفكري والثقافي.. فهل نفتح هذا الملف؟؟.