×
محافظة جازان

من الذي رهن اليمن في بورصة المساومات؟

صورة الخبر

يتوق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسماع الأخبار السارة عن الاقتصاد، ولذلك عندما سمع عن تدفقات مالية لروسيا خلال ربع العام من يوليو (تموز) حتى سبتمبر (أيلول) للمرة الأولى خلال خمس سنوات، سارع بترديد الخبر في مؤتمر اقتصادي عقده في موسكو قائلاً: «في المجمل، وصلنا لذروة الأزمة». بيد أن التدفق النقدي، في الحقيقة، ليس بالشيء الذي يدعو للتباهي، فهو علامة تدل على تعديل مقيت ومكروه لظروف سيئة. روسيا معتادة على تصدير رأس المال، ولم نشهد سوى 17 فترة ربع سنوية ذات تدفق نقدي إيجابي منذ عام 2000. وفي الأوقات العسيرة، كثيرًا ما سارع القطاع الخاص لجلب المال من خارج البلاد، كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبعد ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014. غير أن ذلك لا يعني أن روسيا تفتقر إلى الفرص الاستثمارية، وبالأحرى لم يعتبر المديرون التنفيذيون بلدهم مكانًا آمنًا بدرجة كافية كي يقدموا على جلب أموالهم من الخارج، إذ إن تدفق رأس المال لا يحدث إلا عندما تزداد فرص الربح عن مخاطر مصادرة المال، وتختفي المحاكم الفاسدة، وينتهي التدخل الحكومي غير المتوقع. وخلال مؤتمر «نداء روسيا» الذي رعاه البنك الحكومي «في تي بي كابيتال»، الثلاثاء الماضي، بدا بوتين وكأنه أراد أن يوحي بأن تدفق رأس المال البالغ 5.3 مليار دولار في الربع الثالث من العام يعكس نظرة المستثمرين الإيجابية لمستقبل روسيا الاقتصادي. وقال بوتين: «اقتصادنا يتكيف مع السلع منخفضة السعر»، مضيفًا أن «الفرص تتوافر في قطاعات أخرى مثل الهندسة، والزراعة، والمعالجة وغيرها من القطاعات». غير أن هذا كله ليس بيت القصيد، فقد هرب رأس المال من البلاد عام 2014، وبلغ صافي مشتريات البنوك الروسية للأصول المالية الأجنبية 122.4 مليار دولار أميركي، ليقفز إجمالي تدفق رأس المال لمستوى مذهل قارب 153 مليار دولار. لم يتكرر ذلك، فخلال التسعة شهور الأولى من العام، أصبح الروس مجرد بائعين للأصول المالية الأجنبية. وجاءت مجمل التدفقات النقدية هذا العام، التي بلغت 45 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام، كلها من عملية إعادة سداد الديون. يرجع جزء من هذا الوضع إلى الشركات التي تعتبر خاصة من الناحية الفنية، إلا أنها خاضعة لسيطرة الدولة التي تضررت من العقوبات الغربية المفروضة منذ العام الماضي، وتقوم هذه الشركات بإحلال القروض المحلية محل الديون الأجنبية. وعلى الرغم من عدم خضوع البنوك والشركات الخاصة للعقوبات، فإنها واجهت صعوبات في الاقتراض الخارجي، ويرجع ذلك إلى أن الاقتصاد الروسي لا يبعث على التفاؤل بالنظر إلى انهيار أسعار النفط وما تبعه من تخفيض كبير لقيمة الروبل. هناك بعض المال في الطريق، لكن في النصف الثالث، حيث وضع البنك المركزي أغلب المال، 7.1 مليار دولار، تحت بند «السهو والخطأ». ويعنى هذا تدفقًا غير مشروع لرأس المال، أغلبه من الإقرارات الجمركية التي لا تستطيع الحكومة تحديدها أو تحصيل ضرائب عليها. وفي الربع الثالث، زاد ما وصف بـ«صافي السهو والخطأ» بمقدار ضعف مبلغ 3.7 مليار دولار كلها على شكل استثمارات أجنبية مباشرة متجهة إلى روسيا خلال الفترات الربع سنوية الخمس الأخيرة. وفي ظل غياب رأس المال الأجنبي، يبدو وكأن النشاط التجاري الروسي يسترد بعضًا من رأس المال الذي أخفاه في الخارج. «وكان إجمالي السهو والخطأ» بين عامي 2000 و2013 قد وصل إلى 85 مليار دولار، ودخل المال بالطريقة نفسها التي خرج بها، بعيدًا عن حسابات ومتناول الحكومة، مما يعطي دليلاً أقوى على أن النشاط التجاري ما زال حذرا من نظام بوتين الذي يسمح للبيروقراطيين بالتعامل مع كل الممتلكات داخل الدولة وكأنها ملكيتهم الخاصة. ولا تسجل الإحصائيات الرسمية بالضرورة كيفية استثمار رأس المال المذكور. وتظهر توقعات مؤسسة «بلومبيرغ» تراجعًا في الاستثمارات بمقدار 8.5 في المائة هذا العام، وعلى بوتين الذي وصف مثل هذا التراجع الشديد في خطابة الثلاثاء بـ«النقصان المؤكد» أن يعرف أن الاستثمارات الأجنبية ليس بمقدورها أن تحل محل أنشطة القطاع الخاص المتقلص بشدة، وإلا ما كان لصندوق الرعاية الحكومي أن يرفض طلبًا بالاقتراض من شركة النفط المملوكة للدولة «روزنفت»، التي يديرها صديق بوتين، إيغور سيشين. وكان سيشين موجودا خلال مؤتمر الثلاثاء، واشتكى من الضريبة البالغة 82 في المائة التي تؤثر على صناعة النفط، إلا أنه لم يجد الكثير من التعاطف، حيث جاء رد وزير المالية أنتون سيلانوف بأن حاجة روسيا إلى تنمية بعض القطاعات الأخرى أكبر من حاجتها لمساعدة شركات النفط التابعة لها. ويدرك الفريق الاقتصادي، الذي امتدحه بوتين في خطابة قائلا: «فريق ذو إحساس كبير بالمسؤولية، ومتماسك، وقادر على تحقيق النتائج»، أن التنوع وتحقيق قفزة في نشاط القطاع الخاص يمكنهما أن يعودا بالنفع على النمو. وفي مقابلة مع تلفزيون «بلومبيرغ»، قالت إلفيرا نوبيليانا، محافظة البنك المركزي: «أكثر ما يقلقني فيما يخص الإصلاحات هو أننا نحتاج إلى تحفيز الاستثمار في القطاع الخاص». وقالت بدبلوماسية إنه لا توجد إصلاحات في المستقبل القريب. وخلال المؤتمر، قال أندري كوستين المدير التنفيذي لبنك «في تي بي»، إنه ليس هناك جدوى من تقديم قروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتساءل: «إذا لم يكن هناك طلب على الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة، وإذا لم يكن هناك مكان لها، فما الفائدة من إعطاء موافقة عليها إذن؟»، وأضاف: «لن يكون هناك سوى قروض غير مجدية، وإذا كان هناك استهلاك وطلب، فسوف يكون هناك مال. وإذا لم يكن هناك استهلاك أو طلب، فلماذا علينا إذن ضخ أموال بخسة إلى جسد الاقتصاد؟». بيد أن بوتين لا يميل إلى السماح لحكومته بأي تصرف، لكنه سوف ينتظر حتى تتكيف الشركات من تلقاء نفسها مع الطلب الضعيف الذي سببه تخفيض قيمة الروبل. فكلمة «تحرير التجارة» ليست الكلمة التي يمكن لبوتين أن يقولها أو يسمعها. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»