نهر النيل ذلك النهر الأسطورة الذي جعل من مصر والسودان أكبر بلدين زراعيين في العالم العربي فمن منا لا يعرف عن حجم الزراعة في هذين البلدين. المستثمرون السعوديون في مجال الزراعة بدأوا باستثمار أموالهم في السودان وذلك لوفرة مياهها وندرة مياهنا.. ومن منا لا يعرف خضرة أرض مصر وأريافها وموردها الاقتصادي الأول هو الزراعة على مياه النيل.. كل مصر تعيش على ضفاف النيل بمساحة لا تتجاوز 10% من مساحتها الصغيرة أصلا ويعيش أكثر من 80 مليون نسمة بهذا الشريط (الأخضر) الذي تغذيه مياه النيل منذ آلاف السنين وتقوم عليه حضارتها. هذا النهر الذي ينبع من بحيرات على أعالي جبال وسط أفريقيا في كل من أوغندا وبحيرة فكتوريا ومن أثيوبيا شرقا فهو أطول أنهار الكرة الأرضية، ولكن هذا النهر توجد اتفاقات بين كل من دول المنبع ودول المصب لتوزيع مياهه المنسابة فيه غير آبهة بالحدود وبالجمارك، فلا تستطيع دول المنبع فرض ضريبة جمركية عليه عند وصوله لدول المصب فهو لا يستشير نقاط الحدود ولا يعترف بالدول ولا يحتاج الى جواز سفر ولا الى رسوم عبور او اقامة. ولهذا توجد اتفاقات متوالية لتقاسم مياه هذا النهر الذي هو منحة إلهية من الله للدول التي يمر بأراضيها سخره الله لهم ليشربوا من مياهه وليزرعوا ماشاؤوا ويستخرجوا من ثمار الأرض وحبوبها وخيراتها على الرغم من أنهم في بيئة صحراوية قاحلة. تنص اتفاقية تقاسم مياه النيل التي تم توقيعها في القاهرة في شهر نوفمبر من عام 1959م على أن يكون نصيب مصر 55 مليار متر مكعب سنويا ونصيب السودان 18 مليار متر مكعب سنويا، ولكن ياللعجب فمنذ السنة التي تم فيها توقيع الاتفاق بعد إنشاء السد العالي الى يومنا هذا ومياه النيل تصب بكثافة في البحر الأبيض المتوسط بعد تفرعه إلى فرعين عند طنطا بريف مصر، وهذا دليل على انه رغم الزيادة السكانية الهائلة في عدد السكان ورغم زيادة الرقعة الزراعية فمازالت الكمية التي تم إقرارها لكل من الدولتين تزيد عن الحاجة وإلا لم يصل منه ولا قطرة إلى البحر المتوسط. ولكن العجب العجاب الذي ستذهلون منه حين تعيدون قراءة الأرقام هي كمايلي: - إستهلاك السودان من مياه النيل يقل عن استهلاكنا من المياه. - تبلغ حصة السودان من مياه النيل سنويا 18 مليار متر مكعب. - يبلغ استهلاكنا السنوي من المياه (للشرب والزراعة) 18مليار متر مكعب. عند قراءة الرقم وإعادة قراءته مرة أخرى نكاد لا نصدق كيف أن استهلاكنا من المياه يزيد عن حصة دولة نهرية يمر فرعان من النيل بوسطها. السودان هذه الدولة التي تزيد مساحتها عن مساحتنا وتعتبر البلد الزراعي الاول في العالم العربي، والذي جعل المستثمرين السعوديين في مجال الزراعة يتجهون اليها ليزرعوا في سهولها الخصبة، ومياهها الرقراقة المتدفقة كيف يمكن لاحد ان يصدق ان استهلاكنا من المياه يزيد عن حصة السودان من مياه النيل، ومع ذلك نستورد كل ما نأكله من فواكه ومواد غذائية بل وحتى الشعير الذي تأكله الحيوانات، ومع ذلك نستورد من السودان كثيرا مما نحتاجه من لحوم واعلاف انها معادلة صعبة ولغز غير مفهوم لايدرك حله الا من يعرف التناقض في استراتيجياتنا، ومن يعرف تشتت المسؤولية عن مياهنا التي ضاعت بين غياهب الوزارات وتفرقت بين الجشعين الذين يمتصون معظمها ليضيفوا اليها الكيميائيات ويضعونها في قوارير من البلاستك، ويبيعونها علينا او ان تمتصها مشاريع الاعلاف الضخمة التي تهدر رشاشاتها ليل نهار لانتاج كميات هائلة من الاعلاف لاطعام قطعان الابل والماشية. او ان تسيح مياه التحلية في شوارعنا والتي خصصت (للشرب) كالانهارالجارية مكونة مستنقعات مؤذية ومتلفة للطرق حيث لايوجد أي بديل آخر لغسيل المنازل والسيارات سوى مياه البحر العذبة التي نستهلك لانتاجها ثلث انتاجنا من النفط يوميا. ومع ذلك لا نفكر بمد شبكة اخرى لمياه الاستخدام المنزلي وذلك لانها(مكلفة) ولا نفكر بتكلفة تحلية مياه البحر التي تزيد عنها، حقا انها معادلة صعبة ومظهر نشاز من مظاهرنا التي تصل الى حد الضحك والتعجب الذي لاينتهي. تبلغ حصة مصر السنوية من مياه النيل(55مليار مترمكعب)، أي أن استهلاكنا السنوي من المياه يوازي ثلث حصة مصر من مياه النيل. ولاحظوا أن المقارنة هي (بحصة الدولة) من المياه وليس باستهلاكها حيث ان المياه تصب بشكل كثيف في البحر المتوسط عند مصب نهر النيل وإلا لوكانت السودان ومصر يستهلكان جميع حصصهما لمابقي مترمكعب واحد من هذه المياه عند وصولها الى البحر، ممايدل على أن استهلاكنا من المياه يزيد عن هذه الدول، ومع ذلك فنحن نستورد كل شيء من المحاصيل الزراعية، وحتى بعد إيقاف زراعة القمح زاد استهلاكنا للمياه، إذا بالتأكيد نحن نسير في الطريق الخطأ فأين يكمن الخلل؟ خطة وطنية (قومية للمياه) الخلل الأساسي يأتي من عدم وجود جهة مسؤولة عن المياه رغم وجود وزارة (للمياه والكهرباء)، ولكن الأمر المستغرب هو أن هذه الوزارة غير مسؤولة عن الاستهلاك الذي يزيد عن 85% من مياهنا وتلقي بالمسؤولية على وزارة الزراعة التي هي الأخرى تلقي بالمسؤولية على هيئة المساحة الجيولوجية عند الحديث عن مخزوننا من المياه الجوفية، فتفرق(ماؤنا بين الوزارات) ولهذا فلابد من وجود(خطة وطنية قومية) للمياه يعقد لها ورش عمل ويستقدم الخبراء لدراستها، وأن لا ترعاها إحدى الوزارات التي لا تقع تحت مسؤوليتها كل أنواع الاستهلاك من المياه، هذه الخطة الوطنية يمكن أن يتولاها مجلس الوزراء الموقر، ويقر تشكيل فريقها المستقل ويقر خطتها التي لا تقتصر فقط على (توزيع الأدوات المرشدة لاستهلاك المياه بالمجان) والتي اعتقدنا معها أننا وفرنا مخزوننا من المياه، مع أن المياه التي ترشد من استهلاكها، هذه الأدوات لا تشكل نقطة في بحر من المياه المهدرة يجب ان تشمل هذه الخطة دراسة مكونات المياه، واعماقها وكمياتها ومياه الامطار، وكيفية خزنها بالحقن في طبقات المياه الجوفية، وتحلية مياه البحر والزراعة بالمياه المالحة التي هي الخيار الامثل لنا في ظل وجود مساحات خصبة بجوار البحار واجواء مناسبة لزراعة محاصيل بحرية. حقن مياه الأمطار في طبقات المياه الجوفية يحقق التوازن في سحب المياه خزن مياه الأمطار في متكونات المياه تهطل على أراضي بلادنا سنويا من مياه الأمطار، ما لو تم جمع 10% منها فقط لزادت عن حاجتنا ولزرعنا كل مانحتاجه من غذاء (قمح، خضروات، تمور، ....) ولزرعنا مايكفينا من الأعلاف، ولصدرنا ما يزيد عن حاجتنا دون أن نأخذ ولو قطرة واحدة من المياه الجوفية ولشربنا ماء عذبا زلالا طوال أيام العام. أجزم أن الكثيرين سيقولون ان الأمطار تهطل على صحاري يصعب جمعها منها، فأقول ان معظم أمطارنا ولله الحمد تسيل في أودية تشبه الأنهار، وما أتكلم عنه هو فقط 10%. أجزم أن الكثيرين سيقولون وكيف يتم جمعها فأقول ان الله سبحانه، وتعالى قد صنع لنا خزانات طبيعية في جوف الأرض تشمل معظم مناطق المملكة، وماعلينا سوى تعبئة هذه الخزانات بمياه الأمطار فإذا هطلت الأمطار على شمال المملكة مثلا يمكن أن يروى بها النخيل في وسط المملكة حيث يمتد الخزان(المتكون الجيولوجي) مئات الكيلو مترات أما طرق تعبئة هذه الخزانات فتتم بعمل سدود كبيرة تحتجز كميات الأمطار التي تهطل على مساحة واسعة كوادي السرحان، ووادي الرمة وأودية جبال السروات ثم (حقنها) في متكونات المياه عن طريق(آبار) تسحب مايحتجز من مياه السيول التي تقع فوق المتكون، أو حتى البعيدة عنه بطرق فنية دقيقة لا يتقنها الا الخبراء ويجب أن تقوم الجهة المسؤولة(وزارة المياه) بالتعاقد مع خبراء وشركات متخصصة في هذا المجال، فنحن لاتنقصنا ولله الحمد الإمكانات المالية والفنية وكثير من الدول العطشى تتمنى أن لديها مالدينا لتستفيد من كل قطرة من مياه الأمطار ولتحول صحاريها الى جنات خضراء وأخشى أن تضيع مياه الأمطار بين (وزارة المياه ووزارة الزراعة) فتتبخر في الهواء ونصبح: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ** والماء فوق ظهورها محمول الأمطار تهطل على الوهاد والجبال وحول المدن وتملأ كل الأودية والشعاب وتتجه كالأنهار نحو البحار، لايردها شيء إلا عدم معرفتنا بقيمتها بل ونبني المدن في مجاريها ونختار أكبر الأودية لنبني عليه مدينة سكنية تحل بها الكوارث عند سيلان الأمطار، فحولنا الأمطار بجهلنا وفوضويتنا وعشوائيتنا إلى نقمة بدلا من أن تكون نعمة، ولم نكلف أنفسنا ولا حتى بناء سد لتجميع هذه المياه والاستفادة منها ومن كمياتها الهائلة التي يمكن ان تغنينا عن تحلية مياه البحرن ولكن السدود ليست مسؤولية من يتولى بناء المدن بل مسؤولية وزارة الزراعة، ومن هنا حدثت الكارثة ومن هنا جاءت الفوضوية (كل جهة مسؤولة عن عملها) فقط وتهمل كل شيء آخر حتى ولو كان له علاقة بعملها مادام الحبل على الغارب والمسؤوليات مشتتة. الأعلاف تسحب مياهنا لإبل في الصحاري ونرشد مياه السكان في المدن من أوضح الدلائل التي تدل بوضوح صارخ على (التفكير الآني) في كثير من(الإستراتيجيات)، والخطط أننا كلنا نؤيد مقولة (الأمن الغذائي)، التي بدأت مع بداية الطفرة الأولى ولم يتكلم أحد أبدا عن (مخزون المياه)، والكل كان يؤيد حتى تصدير القمح، ثم فجأة وبدون مبررات سوى المقولات والتوقعات بدأنا ننوح على (اللبن المسكوب)، ومياهنا المهدرة التي يجب أن نحتفظ بها، ونحن لا نعرف عنها شيئا ولا نعلم أهي ملح أجاج أم ماء عذب فرات، وفي نفس الوقت نقوم بتحلية مياه البحر والطامة الكبرى هي أننا لا زلنا نصفق لإستراتيجية التقليل من زراعة القمح في الوقت الذي زاد هدر المياه الجوفية أضعاف ما يستهلكه القمح، وذلك لسبب بسيط وهو أن من أسس مزرعة ضخمة واقترض لشراء معدات زراعية ثم فوجئ بقرار رفع الدعم عن القمح وجد أن كارثة من الخسائر ستحل به دون أن يلتفت له أحد فوجد ثغرة مفتوحة، وهي (زراعة الأعلاف) التي زاد الإقبال عليها بشكل جنوني نتيجة تربية الإبل (لسباقات المزاين)، والاستهلاك المفرط للحوم الحمراء، والذي هو عادة رئيسية لسكان الجزيرة، وهذا دليل على عدم (تكامل الإستراتيجيات) فالقمح وزراعته من اختصاص وزارة الزراعة، بينما إعطاء القروض من اختصاص وزارة المالية وكان من الأجدر وضع سياسة إقراض من قبل صندوق التنمية الزراعية يتوافق مع خطة (بديلة للامن الغذائي) تعتمد على تخصيص محصول غذائي لكل منطقة فمثلا يشترط للقروض في القصيم أن تكون موجهة (لزراعة النخيل والطماطم ). وفي منطقة السر لزراعة (البصل والبطاطس) وفي منطقة جازان لزراعة الفواكه، وهكذا ويشترط أن تتوافق هذه الإستراتيجية مع مخزون كل منطقة من المياه ومناسبة المحصول لمناخها ونوعية مياهها، أما أن نعمم القرار على كل مناطق المملكة، فهذا دليل على إستراتيجية ناقصة المعالم فكيف يتم رفع الدعم عن زراعة القمح في عسير وجازان بحجة وقف (استنزاف المياه الجوفية) في الوقت الذي تعتمد فيه الزراعة هناك على مياه الأمطار والأودية. وحين طبقنا ترشيد المياه اتجهنا بوزارة المياه منفردة لتطبق ترشيد استهلاك المياه في المدن، والتي تستخدم لأغراض الحياة اليومية، وتناسينا مانسبته 85% من الاستهلاك الذي يتجه للزراعة، وذلك لسبب مضحك وهو أن وزارة المياه مسؤولة عن المياه الموجهة للشرب والاستخدام المنزلي، أما ماعدا ذلك فهو مسؤولية وزارة الزراعة التي تهتم بالإرشاد الزراعي والثروة السمكية واتجهنا إلى (الترشيد) وتوزيع الأدوات المرشدة، بينما تهدر المضخات والرشاشات المحورية في مجاهل الصحاري، وبدون أي ترشيد لإنتاج أعلاف لقطعان إبل تهيم في الصحاري تستخدم للعرض فقط والمزاينات، وتسيل المياه في جهات أخرى بدون قيد لري مزارع البرسيم حتى غرقت الحقول بسببها، وأصبحت ذات أراض سبخة لكثرة ضخ المياه دون قيد ولا ترشيد ولا (أدوات مرشدة) توزع بالمجان، وفي الوقت ذاته تفيد بعض الابحاث ان تحت رمال الربع الخالي بحار متلاطمة من المياه العذبة، فمن يعطينا الاجابة الكافية اهي وزارة الزراعة ام وزارة البترول والثروة المعدنية ام مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ام تأتينا الاجابة من الاقمار الصناعية التي تسبح في فضاء الله الواسع. زراعة القمح والشعير والاعلاف بمياه البحر في امريكا التي لا تنقطع عنها الامطار وتسيل مياه الانهار في كل انحائها، والتي تبرمت من كثرة مياه الامطار والانهار التي تصب في المحيطات والبحار توصلت الى انتخاب اصناف من القمح يمكن ان تزرع على مياه البحر المالحة، ويمكن ان ينتج الهكتار نصف طن من القمح وطنين من الشعير في الوقت الذي نوقف فيه الدعم عن زراعة القمح بحجة انه يستنزف مياهنا الجوفية، فمن قال ان القمح يحتاج الى مياه عذبة لزراعته فعلى اقل تقدير لماذا يوقف الدعم عن زراعته في جبال عسير وسهول جازان التي تعتمد الزراعة فيها على مياه الامطار، ولماذا يوقف الدعم عن زراعته في سهول وادي الرمة التي تحوي مياها مالحة لا تصل الى مخزون المياه الجوفية. من المنطق ان يتم وقف الدعم عن المشاريع الضخمة التي تحوي عشرات المضخات، والابار التي تسحب مياهنا من اعماق الارض، ولكن غير المنطقي هو ان يتم وقف الدعم عن آلاف المزارع الصغيرة التي تنتج القمح الوطني الجيد ولا تسحب من مخزون المياه الجوفية، فلو تم دعم هذه المزارع لكان مجموع انتاجها هائلا ربما يكفي لسد حاجتنا من القمح، وحققت امننا الغذائي، ولماذا لاتبادر الجهات المسؤولة الى البحث الجاد عن زراعة القمح بالمياه المالحة والذي توصلت امريكا اليه ؟!هناك بحث بدأته (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قبل سنوات)، ولم نر نتيجته إلى الآن على الرغم من ان الدول التي لا تعاني من ندرة المياه تزرع القمح والشعير بمياه البحر، اقول وبالخط العريض لا سبيل الى وقف استنزاف مياهنا الجوفية، الا بالعودة الى زراعة القمح فهل تلتفت لهذا النداء وزارة المياه، ام وزارة الزراعة، هل يسمع ذلك مجلس الشورى، ولكن يبدو ان مياهنا تفرقت بين الوزارت فضاعت وضاع معها امننا الغذائي.