في عز الحملة الانتخابية التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية، بدأت الأوساط السياسية تطرح سؤالاً ملحًا، لأنه أصبح يفرض نفسه بقوة، وهو: لماذا يحظى الملياردير دونالد ترامب، عن الحزب الجمهوري المرشح إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، بهذا الحجم الكبير من التأييد، رغم تعليقاته العنصرية وتصريحاته الخارجة عن حدود اللباقة والأدب؟ وكجواب عن هذا التساؤل، يقول البعض إن الأمر يرجع إلى نجاحه الشخصي، وآخرون إلى استقلاليته، فيما يعزوه غيرهم إلى ازدرائه بالتقاليد السياسية. لكن كيفما يكون الحال فإنه بعد أربعة أشهر على بدء حملته، يعتبر دونالد ترامب، البالغ من العمر 69 عامًا، المرشح الأوفر حظًا لدى ربع الجمهوريين تقريبًا، وهذا ما تبين يوم الأربعاء الماضي، حيث تجمع للقائه نحو 5 آلاف شخص في صالة عرض داخل حلبة ريتشموند لسباق السيارات بولاية فرجينيا، حيث تحول إلى نجم كبير يشبه نجوم هوليوود. ويقول مراقبون إن دونالد ترامب يلقى التشجيع الأكبر عندما يعدد نجاحاته الشخصية في استطلاعات الرأي أو في أعماله، وقد أكد هو نفسه ذلك بالقول لمؤيديه إن «هذه هي العقلية التي تحتاجها هذه البلاد!»، بينما يكرر الناشطون في حملته تلقائيًا كلمة «رجل أعمال»، كضمانة قوية وناجعة لكفاءته. وأوضحت تيري برينان، وهي سمسارة عقارات كانت من أوائل الوافدين لرؤية المرشح يوم الأربعاء الماضي: «لقد وصلت بلادنا إلى نقطة حاسمة، فنحن ننفق أكثر من المدخول، لذلك نحتاج إلى رجل أعمال». ويتفق معها في ذلك عدد كبير من الأميركيين الذين يقارنون السلطة بإدارة الشركات، على اعتبار أنها تتطلب حسن التفاوض والقرار ومواجهة المنافسين، وهم واثقون من أن ترامب سيكون أفضل في «إدارة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مقارنة بالرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، ولا يهم في هذا الصدد إن كان يجهل أسماء هذا الرئيس الأجنبي أو ذاك. من جانبها، قالت أليس باتلر شورت، البالغة 72 عامًا، وهي آيرلندية حازت الجنسية الأميركية وشاركت في التجمع منتعلة حذاء بألوان العلم الأميركي، إن ترامب «لم يصل إلى موقعه بالبقاء في عزلة، بل إنه يحسن إحاطة نفسه بأشخاص جيدين». ويؤكد دونالد ترامب الملياردير الكبير أنه «لا يخضع لسلطة أحد»، بينما يشير أنصاره إلى أنه لا يدين لأحد بشيء، وليس عليه رد الخدمة إلى أي من محركي مجموعات الضغط، وقد شبهته إحدى المؤيدات بالآباء المؤسسين الذين قدموا المصلحة العامة على حياتهم المهنية. لكن العنصر المهم في كل ذلك هو أنه أصبح يتمتع بمصداقية كبرى بحكم الواقع في موضوع التآمر بين المانحين والمرشحين، بعد أن أكد أنه يمول حملته بنفسه، وهو الذي سبق أن وزع الأموال في السابق على الطبقة السياسية في معسكري الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وهو يروي بحماس كبير قصص اجتماعات وشيكات حررها لمرشحين يفيضون بالامتنان. وردًا على من يتساءل عما إذا كان ترامب قد ترشح لتحقيق مكاسب دعائية، على اعتبار أن إمبراطوريته العقارية برمتها تعتمد على مكانة علامة ترامب التجارية، ردت أليس باتلر شورت بأن ترامب لا يحتاج إلى الدعاية، وتساءلت: «لو كنت أملك 10 مليارات فهل احتاج إلى دعاية؟». بالنسبة لمخططه السياسي، يعرف المناصرون الخطوط العريضة لبرنامج ترامب، وهي «إعادة أميركا إلى عظمتها السابقة» (شعار حملته)، وإبعاد المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم، والانتصار في الحرب التجارية مع الصين واليابان، وخفض الضرائب، وغيرها. وقد قال ترامب بهذا الخصوص إنه «لم تعد لدينا حدود»، واعدًا ببناء سور لصد المهاجرين بين المكسيك والولايات المتحدة. ويشكل وضع الولايات المتحدة صلب رسالة ترامب السياسية، وذلك بعد ولايتين لأوباما أضعفتا، على حد تعبيره، مكانة البلاد في العالم. وفي هذا الإطار، قال الطالب توماس روزادو، البالغ 19 عامًا، مبررًا تأييده لترامب: «إن الرئيس أوباما يميل بإفراط إلى ناحية البلدان الأجنبية». أما المحافظون المتشددون في حزب الشاي، فيعتبرون أن الولايات المتحدة تهدر الكثير من المال خارج حدودها، إذ أكدت المتطوعة المحلية في حملة ترامب أنيت ترولاف، أنها تريد «أن يهتموا أولاً بالناس هنا. ينبغي استخدام تلك الأموال في سبيل قدامى محاربينا وأطفالنا المشردين». ورغم كل الانتقادات التي توجه لترامب، فإن أسلوبه الاستفزازي، وعدم تحرجه بالجهر بصوت عال بما يفكر به الآخرون في سرهم، يجعله يلقى تأييدًا متواصلاً، وبهذا الخصوص قال ماثيو وينر، وهو جندي سابق في البحرية الأميركية، إن «المجاملات السياسية تدمرنا»، في إشارة إلى «الأكثرية الصامتة» التي أصبحت عبارة شهيرة بفضل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون. ويبدو تسامح أنصار ترامب معه موازيًا لقسوتهم على سائر الطبقة السياسية، فهم يتناسون ماضيه الديمقراطي، ولا يقلقهم إطلاقًا احتمال ارتكابه هفوات على الساحة الدولية. وفي هذا الصدد، قالت أليس باتلر شورت «سيكون ترامب رونالد ريغان مضاعفًا»، وذلك في معرض وصفها المرشح الذي ينسف اللياقات كافة، مؤكدة أنه «يملك المكون السحري» للنجاح والقيادة.