من طرافة الكتب أن تعثر على كتاب يتناول نشوء العادات والتقاليد وأصولها؛ وقد وعدنا الحديث عنه بعد مقال الأسبوع المنصرم أسوأ المهن في التاريخ؛ لتصبح مثل هذه المؤلفات علامة فارقة في عالم القراءة ولحظاتها الممتعة؛ تماما كما فعل أحدهم حين ألف كتابا للعادات والتقاليد منقبا عن أصولها ومنابعها؛ ولنتخيل عدد القراء الذين أمتعهم هذا المؤلف وأبهجهم عبر صفحات كتابه، وهنا أعني الكاتب تشارلز باناتي وعنوان كتابه قصة العادات والتقاليد وأصل الأشياء. مثل هذه الكتب وإن تقصدت الجانب التسويقي أو الربحي فقيمتها المعرفية والثقافية تفوق بكثير ما ندفعه ثمنا لها، فكيف لنا أن نقارن مبلغا زهيدا إزاء رحلة ماتعة في تفسير ما قد يعجز العلم بنظرياته عن إيجاد تفسير له!!، فهل حدثك أحدهم يوما عن السر الكامن وراء عادة وضع اليد على الفم عند التثاؤب؟، وهل حدثك عن تقليد كعكة الزفاف؛ وسر حرص العروسين عليها؟، وهل وجدت تفسيرا لكذبة ابريل؟ أو عن أصل فرشاة الأسنان؟، أو أصل ربطة العنق؟، أو أصل فكرة شهر العسل؟، والعديد العديد من العادات والممارسات المرتبطة بحياتنا دون أن نعرف أصولها أو أسبابها، بينما سعى هذا الكاتب المجتهد في كتابه الطريف هذا كي يوجد إجابة لهذا كله. في المفهوم الشعبي يطلب الناس من بعضهم البعض الضرب أو النقر على الخشب؛ ما نطلق عليه بالشعبي امسك الخشب؛ ونقولها بمجرد أن نستشعر الخطر من العين أو الحسد، فهل تعلم أن أصل هذه العادة يعود إلى ٢٠٠٠ سنة قبل الميلاد، حيث الهنود قاطنو شمال أمريكا؛ ارتبطت بديانتهم آنذاك، وبشجرة السنديان على وجه الخصوص، ثم تحولت إلى ممارسة مرتبطة بالتقاط الثمار، حيث يعمد ملتقطو الثمار من أعلى الشجرة إلى النقر على قاعدتها من أسفل كي يحالفهم الحظ في التقاط ثمارها دون أن تسقط على الأرض مباشرة، كما يعيدها المؤلف إلى اليونانيين ومن بعدهم الرومان. يتطير الكثيرون من القطط السوداء خاصة ويربطونها بالجن، وأصل هذا المعتقد الشعبي يعود إلى قطة سوداء هاجمت رجلا وابنه في حي (لينكلولن شاير) بعد أن خرجت عليهم من فجوة في الجدار فقذفوها بالحجارة؛ فهربت مسرعة إلى منزل امرأة عجوز عرفت بالسحر، وقد التقاها الأب وابنه صباحا ليلاحظوا على وجهها خدوشا فظنوا أن خدوشها من الحجارة التي رموا القطة بها، وأن القطة السوداء التي هاجمتهما ما هي إلا تلك العجوز التي تلبست على هيئة قط. أما كذبة أبريل المعروفة فيقر الكتاب بأنها حادثة حقيقية حدثت في فرنسا حين أصدر الملك (شارل) قرارا ملكيا بتغيير رأس السنة من شهر أبريل/نيسان إلى أول يوم من يناير/كانون الثاني، وقد اعتاد الناس الاحتفال في شهر ابريل فاعتبروا قرار ملكهم حتى وإن اعتمدوا التقويم الجديد مجرد كذبة، وأن بداية السنة صوريا هي مطلع شهر أبريل، ليجعلوا من كذبة ذلك اليوم تقليدا شعبيا يمارسون فيه بعض الأكاذيب خفيفة الظل. الجميل في مثل هذه الكتابات قدرتها على تقصي تفاصيل دقيقة في حياتنا نحن البشر، والإنسان مهووس بتفاصيل وأسرار حياته، وهذا الكتاب والكتب التي على شاكلته تلبي لدينا هذه النزعة وتغذيها، وأظن أن القسم المخصص من الكتاب لأصل الاختراعات وهو القسم الثاني من هذا الكتاب يأخذك في رحلة مذهلة إلى أصول أشيائك البسيطة من حولك، في غرفة نومك، في حمامك، في حديقتك، في احتياجاتك الشخصية بل الخاصة جدا، وهنا روعة البحث في ما همشنا البحث فيه من مظاهر حياتنا.