طوال عامين، قصد دانيل رايس مكتب «ميشيغن ووركس!» للوظائف يومياً، وأمضى فيه 4 الى 5 ساعات وهو يبحث عن وظيفة بدا ان الحظ لن يحالفه في العثور عليها في مدينة تتواصل فصول أفولها. قبل أيام، وجد وظيفة قوامها تشغيل مركبة رافعة في مقابل نحو 8 دولارات في الساعة. وهو رحب بالوظيفة على رغم أنها غير مجزية، فراتبها أقل من ثلث ما كان يجنيه في «كرايسلر» قبل اغلاق المصنع ابوابه، قبل عامين. وهو مذذاك عاطل عن العمل. ووقعُ إعلان ديترويت افلاسها قبل ايام سلط الضوء على التباين بين حال صناعة السيارات الأميركية المزدهرة وحال المدينة التي لطالما ارتبط اسمها بها. وفي وقت كان منتجو السيارات يعلنون أرباحهم الضخمة والسياسيون يتباهون بخطة إنقاذ المدينة- المصنع، كانت ديترويت «الفعلية»- لا ديترويت مصانع السيارات- تنازع أزمة كبيرة. فشركات السيارات الثلاث الأبرز في اميركا- وكانت اموال الضرائب انتشلتها من براثن الانهيار- لم توفر فرص عمل كثيرة. والتزمت نهج «توظيف أقل نفقات أقل». ونهجها هذا ريادي ونموذجي في عالم الأعمال، لكنه لا يصب في مصلحة سكان ديترويت. ومعدل البطالة في المدينة يبلغ 16 في المئة، ولم يسع «ميشيغن ووركس!» تأمين أكثر من 2300 وظيفة في 2012، وهي نسبة ضئيلة من عدد الباحثين عن عمل. وقدرة شطر راجح منهم على القراءة هي ادنى من مستوى الصف الثامن- والمستوى هذا هو عتبة التوظيف في ديترويت. ومن يجد عملاً في عاصمة السيارات العالمية، يواجه مشكلات في التنقل من منزله الى مكان عمله. فامتلاك سيارة ليس في متناول الجميع، وتقلصت خدمة النقل العام على وقع مشكلات ديترويت المالية العامة. ويخشى أهلها من مشارب مختلفة- العاطلون من العمل والمتقاعدون والعمال- أن يساهم اعلان الإفلاس في تشويه صورتهم المالية وأن يؤدي الى تقليص الوظائف الحكومية ورواتب التقاعد والمساعدات. ويبدو ان مسار حياة رايس يتقاطع مع مسار «حياة» ديترويت. وأمكن أبناء الجيل السابق من خريجي الثانوية العامة في المدينة الآفلة، نيل وظيفة راتبها مجزٍ يرفع صاحبها الى مصاف الطبقة الوسطى، لكن حظوظ رايس في العمل ضعيفة، وراتبه بالكاد يفوق الحد الأدنى. وهو يعيش بمفرده في شرق ديترويت في المنزل الذي شب فيه، في جوار يفوق عدد بيوته المهجورة تلك المأهولة. واختبر رايس أفدح مشكلات ديترويت: الاضطرار الى الانتظار أكثر من 40 دقيقة قبل جواب قوات الطوارئ، أي الإسعاف والشرطة، اتصال النجدة. يومها، أصيب مراهق مقرب منه بطلق ناري في فكه «لكن الشرطة لم تأتِ. وسيارات الإسعاف رفضت المجيء من غير حماية الشرطة. فالمكان بالغ الخطورة»، يقول رايس. فمات المصاب، ابن السابعة عشرة. ويرى دوغ كوتر، المشرف على مكاتب «ميشيغن ووركس!» أن تحديات العاطلين من العمل في المدينة لا تقتصر على نتائج افلاسها. فإلى غياب الخدمات التعليمية والنقل، يكافح العاطلون من العمل الكآبة وفقدان الأمل. فالسكان يعيشون في فقر، والخروج من حلقة البطالة والفقر المفرغة عسير. ويتوقع ان تتفاقم الأزمات في ديترويت، فدَيْن المدينة 19 بليون دولار، وقد تخلص المحكمة الى تقليص رواتب التقاعد الخاصة بآلاف العمال. وعلى رغم التشاؤم في ديترويت، لاح بريق أمل مع انتعاش قطاع صناعة السيارات. فقبل عام، افتتحت شركة «ديترويت مانوفاكتشورينغ سيستمس أو دي أم أس» (تصنع ألواح عدادات السيارات) متجراً في شمال شرقي المدينة، قرر أن يكون كل طاقم عمله من العاطلين من العمل والباحثين عنه في مكتب «ميشيغن ووركس!». لكن الرواتب التي عرضها على هؤلاء لم ترقَ الى رواتبهم السابقة. فعلى سبيل المثل، سرح جون لويس، ابن الـ43 سنة، قبل عام، من عمله في مصنع فولاذ. وحين بدأ العمل في متجر «دي أم أس» تقاضى راتباً قيمته اقل 75 في المئة من راتبه السابق. لكنه سرعان ما ارتقى في سلم العمل، ونال ترقيات وصار مشرفاً على تركيب أنابيب الهواء وأجزاء اخرى من ألواح سيارة «فورد توروس»، فـتـضاءل الفارق بين راتبيه السابق والحالي. ولا يخفي ألن ستون، وهو سُرِّح من عمله في مصنع قبل ان توظفه «دي أم أس» مديراً لقسم ادارة الموارد البشرية، تشاؤمه، إذ يستبعد ان تحتذي الشركات بنموذج «دي أس أم». فكلفة إعادة إعمار المصانع باهظة، والشركات تخشى العودة إلى ديترويت. * عن «واشنطن بوست» الأميركية، 20/7/2013، اعداد منال نحاس