حذر خبراء ومحللون متابعون للشأن السياسي اليمني من استغلال الانقلابيين من ميليشيات الحوثي وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لحالة الانقسام الحاصل بين أبناء المجتمع اليمني، وتفكيك بنيته بهدف نشر الفوضى. ورأى هؤلاء أن الميليشيات لجأت إلى استغلال حالة الفقر والجهل في أوساط المناطق القبلية لتجنيد عشرات الأطفال والشباب في معارك خاسرة، معتبرين أن الشقاق الذي زرعه الانقلابيون سيكون الوقود الذي يحاولون من خلاله إشعال الصراعات في المناطق التي انكسروا منها. وقال عبد السلام محمد مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث لـ«الشرق الأوسط» إن الهدف الحقيقي للحرب والانقلاب الذي يقوده أسرة عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح «ليس الوصول إلى السلطة فقط وحكم اليمنيين بل تمزيق النسيج الاجتماعي، وإطالة أمد الحرب لاستمرار بقائهم في السلطة والحكم تحت لافتات دينية وطائفية ومناطقية». وأضاف: «المخزون الاستراتيجي لمجندي الحوثيين يتركز في المناطق الأكثر فقرا وجهلا وتخلفا، حيث تنعدم فيها المدارس والوضع الاقتصادي سيئ»، موضحا أن «هناك استغلالا واضحا لمناطق الفقر في شمال الشمال لتجنيد الشباب وإيهامهم بأنهم ضمن صفوف الجيش والأمن وبأرقام عسكرية مزيفة وإغرائهم بإعطائهم أسلحة وراتبًا شهريًا، حيث يجري الدفع بكثير من أبناء الطبقة البسيطة في تلك المعارك، ويختارون شخصيات ذات سوابق إجرامية لقيادة المجندين». وأوضح أن القيادة التي تتحكم في جماعة الحوثي استطاعت تشكيل جيش آيديولوجي من أبناء الطبقات الفقيرة في صعدة، وتغذيتهم بالأفكار الطائفية وخرافات النصر والتأييد الإلهي»، ويؤكد عبد السلام محمد أن ميليشيات الحوثي وصالح، كانت تختار شخصيات لها سوابق إجرامية وسيئة السمعة، مستغلين نزعتهم الانتقامية في حروبهم ضد الشعب اليمني، وتابع: «القاتل والمقتول من اليمنيين، في حين تكون قيادة هذه الميليشيات سواء الدينية أو السياسية والعسكرية بعيدة عن الخطر وفي مناطق آمنة، بل إن العشرات من أبناء وأقارب هذه القيادات يدرسون في الخارج». ومنذ خمس سنوات لا يزال فتحي علي صالح (20 عامًا)، غائبًا عن أسرته، التي عجزت عن الوصول إليه أو الحصول على معلومات عنه، فقد فر فتحي من قريته بمحافظة عمران شمال صنعاء، تحت تأثير الفقر المدقع الذي ينتشر في منطقته، لينضم إلى جماعة الحوثيين المتمردة تاركا خلفه إخوانه الصغار، بينهم ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد تكررت هذه الحادثة في أكثر من منطقة حتى أصبحت ظاهرة في القرى والمناطق التي توصف بأنها مناطق فقيرة خاصة في عمران وصعدة وصنعاء والحديدة وذمار، ويرى مراقبون أن المناطق الأكثر فقرًا التي تزيد فيها نسبة الأمية، هي البيئة الخصبة لرفد الجماعات الإرهابية والدينية بالمجندين الجدد. في المقابل، فإن كثيرا من قادة الانقلاب من الحوثيين وأسرة الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأتباعهم تمكنوا من نقل أبنائهم إلى بلدان خارجية، وبعضهم يدرس في جامعات أميركية رغم رفع شعار «الموت لأميركا». ويحكي عدد من المجندين الشباب من أبناء صنعاء، لـ«الشرق الأوسط» عن طريقة تجنيدهم من قبل المتمردين، حيث يقول محمد علي إنه انضم للجان الشعبية التابعة للحوثيين عن طريق صديقه في الحي، حيث كانوا يقضون غالبية أوقاتهم لمشاهدة خطب ومحاضرات لمؤسس الجماعة حسين الحوثي، ومعارك لحزب الله اللبناني، ثم يقومون بعد ذلك بأخذهم إلى إحدى المدارس أو المراكز لتدريبهم على الأسلحة، وتصوير المعركة التي يخوضونها بأنها بين المجاهدين والكفار، وبعدها يتسلمون أسلحة كلاشنيكوف ليجري إرسالهم إلى جبهات القتال في مأرب أو تعز. وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن غالبية القتلى الذي سقطوا في معارك الحوثيين كانوا من أبناء القبائل المحيطة بصنعاء مثل بني حشيش وخولان، وبني مطر. وحصلت «الشرق الأوسط» على معلومات تفيد بأن منطقة بني حشيش استقبلت لوحدها خلال 43 جثة لمقاتليها المنخرطين في صفوف الميليشيات خلال يوم واحد فقط، وينتمون إلى قرى بيتي السراجي، وغضران، والشرية، ورجام. أما صفوان محمد علي أحمد الذي لم يتجاوز الـ14 من عمره، فقد جرى أسره من قبل الجيش الوطني في مأرب في المعارك الأخيرة، إلى جانب عدد آخر من أقرانه، موضحا أن الميليشيات جندته في مسقط رأسه في مديرية بعدان بمحافظة إب، وتم أخذه إلى محافظة مأرب لقتال «الكفار» كما أخبروه. ويقول: «جئنا إلى مأرب مع أربعة من الأصدقاء وهم من منطقة سمارة، وكنا نقاتل تحت قيادة شخص من محافظة صعدة يدعى أبو ياسر»، مؤكدا أنه لا يعرف سوى كنيته فقط، ويوضح أن رفاقه كلهم فروا من أرض المعركة إلى جهات مجهولة. ويرى المحلل السياسي نبيل البكيري أن «ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل الميليشيات ترتكز على بعدين؛ الأول مرتبط بالجهل، وهذا هو المصدر الكبير والبيئة الخصبة لتجنيدهم من قبل الحوثيين وصالح، ويقوم أساسا على البعد الاقتصادي، من خلال استغلال الأوضاع المعيشية للطبقة الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر، وتقوم بالدفع بأبنائها للمعارك، طمعا في الحصول على أموال ربما لا تكفي حاجاتهم الضرورية، لكنهم يعوضون ذلك بإعطائهم حرية النهب لكل منطقة يسيطرون عليها». أما البعد الثاني بحسب البكيري فهو يرتبط بالبعد المذهبي والمناطقي الذي يتم توظيفه بشكل كبير ويشتغل على هذا البعد كل من الحوثي وصالح على حد سواء، موضحا: «تقوم الميليشيات بتصوير ما يحدث لأتباعهم بأنها حروب ضد أعداء المنطقة التي يتم الزج بأبنائها في قتال لا ناقة لهم فيه ولا جمل». وبالمقابل يقول البكيري إن «وجود قيادات عسكرية وشعبية في الخطوط الأولى التي تقاتل الانقلابيين يسهم في تعزيز معنويات صفوف الشرعية ويقوي من تلاحمهم وحماسهم، وهو دليل واضح على صدق وطنيتهم وإخلاصهم لقضيتهم وجنودهم، فالمعركة هي بين طرفين، الأول هم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ومن يساندهم من أبناء الشعب اليمني الرافض للانقلاب الحوثي وصالح، والطرف الآخر ما يمكن تسميته بالثورة المضادة التي استعانت بالأطفال وبكل من له سوابق إجرامية أو مشكلات نفسية». وفي حين يدفع أبناء الأسر الفقيرة ثمن الحروب التي تشنها ميليشيات الحوثي وصالح في أكثر من منطقة، فإن أبناء القيادات الحوثية وأقارب صالح، تمكنوا من إخراجهم من البلاد خلال الفترة الماضية، وقد حصلت «الشرق الأوسط» على معلومات من مصادر خاصة في صنعاء عن وجود قائمة بأكثر من 25 طالبًا من أبناء قيادات الحوثي وصالح، تحاول منذ أيام إخراجهم من صنعاء، حيث صدرت توجيهات مما يسمى «اللجنة الثورية» بتمكينهم من السفر إلى الخارج تحت غطاء الدراسة. وفي المقابل، فإن عشرات القيادات العسكرية والقبلية المناهضة للحوثيين تتقدم الصفوف الأولى في المعارك التي تخوضها ضد الانقلابيين، كما يحصل في محافظة مأرب وتعز، وهناك الكثير من الشباب تركوا دراستهم في الخارج وعادوا إلى قبائلهم ومناطقهم للمشاركة في المعارك ضد الانقلابيين، وكان دافعهم وغايتهم الدفاع عن الوطن والشرعية، فمحافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة خسر الكثير من أقاربه، منهم نجله عبد الوهاب، وكذا نجل شقيقه مبخوت عوض العرادة الذي درس الهندسة بالولايات المتحدة، كما خسر أحد رجال الأعمال وهو الشيخ مبارك الشليف أربعة من أولاده، وشهدت المواجهات الأخيرة في مأرب مشاركة شباب تركوا دراستهم في تركيا وانضموا إلى قبيلتهم، كما هو الحال مع الطالب علي أحمد الشليف، وفي تعز يقود المقاومة هناك ضباط من الجيش اليمني مع أولادهم وأقاربهم، أبرزهم العميد صادق سرحان قائد المجلس العسكري، والشيخ حمود المخلافي رئيس مجلس المقاومة الشعبية والأخير خسر شقيقه عز الدين سعيد، ونجله الطبيب أسامة.