كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال سورية وأقامت علاقات دبلوماسية معها عام 1944 وتعززت العلاقات السورية الروسية بشكل كبير لترتقي إلى مستوى التحالف الإستراتيجي والمصالح المشتركة في زمن الرئيس حافظ الأسد عام 1970، وامتدت وتطورت إلى زمن الرئيس بشار الأسد وتنوعت تلك العلاقات والمصالح سياسيًا وعسكريًا، حيث قدمت روسيا ومنذ أيام الاتحاد السوفيتي الدعم العسكري لسورية من أسلحة وخبراء، إضافة إلى العلاقات الثقافية والتعليمية والتي تعود إلى عام 1925 أي قبل استقلال سورية . ولم يتوقف الدعم إلا في التسعينات من القرن الماضي، في عهدي الرئيسين غورباتشوف ويلتسين ليعود بعدها في عهد الرئيس فلاديمير بوتين ليشهد تطورًا ملحوظًا خاصة في عام 2005، عندما وافقت روسيا على بيع سورية أنظمة صواريخ جو دفاعية متقدمة على الرغم من المعارضة الأمريكية الإسرائيلية، وقد شكّل التقارب السوري الروسي تهديدًا للعلاقات الإسرائيلية الروسية، لكن موسكو استطاعت احتواء ذلك التهديد . ويعكسُ التقارب صورة عن البعد الإستراتيجي للعلاقات والمصالح المشتركة بين روسيا وسورية وهو ما يجعل سورية محط اهتمام موسكو سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وعندما بدأ الصراع السوري عام 2011 باحتجاجات مناهضة لحكم الأسد، رافقته حرب أهلية أدت إلى مقتل ما يقارب من نصف مليون شخص وأجبرت ما يقارب ١٥مليون سوري على مغادرة منازلهم والهجرة إلى الخارج ولم تقف روسيا بعيدةً عن الحرب بل دخلت على خط المواجهة منذ بدايتها بصورة غير مباشرة مع حلفائها الآخرين، وبدا ذلك بوضوح مؤخرًا وباعتراف روسي من خلال إقامة قاعدة عسكرية في اللاذقية يجري توسيعها وتجهيزها بالمعدات العسكرية لتأمين الحماية لها. ويبدو أنَّ التشبث الروسي بسورية ومن خلالها بالبحر الأبيض المتوسط جوهرياً في الحسابات الجيوسياسية الروسية فهذا البحر هو بوابة أوروبا والبحر الأسود، واستتباعًا روسيا ذاتها، إنه الخاصرة الرخوة للأمنين الأوروبي والروسي على حد سواء، فالصراع الدولي على البحر الأبيض المتوسط يُمثل أحد عوامل التمسك الروسي بسورية منذ العهد السوفيتي وحتى يومنا هذا نظراً لأهميته الإستراتيجية للقوى العظمى . وانجرت موسكو إلى المستنقع السوري فالصراع القائم في سورية صراع دولي قبل أن يكون سورياً، فالأسد مدعوم من إيران وروسيا والصين، والمعارضة مدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها، وهذا ما يؤكد أن التدخل الروسي المباشر قد يجر روسيا إلى ما يشبه إلى حد كبير المستنقع الأفغاني والذي لاتزال الذاكرة الروسية تحتفظ به وهذا التدخل وبصورته الحالية قد يجبر أطرافاً أخرى كالولايات المتحدة على تزويد المعارضة السورية بأسلحة أكثر فتكًا كما حدث في الفترة السوفيتية في أفغانستان، حيث تم تزويد الأفغان بصواريخ (ستينغر) التي قلبت موازين القتال، ولم يعد مستبعدًا للغرب إدارة الأزمة في سورية بدل حسمها من أجل استنزاف موسكو اقتصاديًا وزيادة الأعباء على خزينتها المنهكة أصلاً، وفي حال أصرت موسكو على دخول هذا المستنقع فمن المتوقع أن تتكبد خسائر عسكرية كبيرة ويتم القضاء على آخر موطئ قدم لها في شرق المتوسط. والخطوة الأكثر أهمية أن موسكو ستدخل في مواجهة مفتوحة مع الغالبية الإسلامية في العالم والتي باتت تُحمِّل موسكو مسؤولية النكبة السورية، وهذا ما سيجعل روسيا أمام خطر انتقام الجماعات الإسلامية المتشددة وهو ما سيعرض روسيا إلى سيناريو مشابه للسيناريو الأفغاني. عبدالله الهدلق