عملياً، وليس رسمياً، الحد الأدنى للأجور في المملكة هو 3000 آلاف ريال، ويبدو أن هناك خطوات ستتخذها الجهات المعنية للسعي لرفع أجور السعوديين بالتدريج لجعل العمل في القطاع الخاص جاذباً، إذ إن الكفة لا تزال راجحة لصالح العمل لدى الحكومة لاعتبارات كثيرة منها الأجر. ووفقا لوزارة العمل في نشرتها الإحصائية السنوية للعام 2013، فمتوسط الأجر الشهري للسعوديين في القطاع الخاص 4748 ريالاً مقابل 1176 ريالاً لغير السعوديين. في العام المنصرم، بلغ ما صرفته الحكومة الموقرة 314.2 مليار ريال كرواتب وبدلات وأجور لموظفيها، وبلغ عدد موظفي الدولة نحو 1.24 مليون موظف بنهاية العام الماضي 2014، فيما لا يشمل هذا العدد العاملين على بند التشغيل والصيانة ونظام العمل والعمال. وفقاً لما نشرته صحيفة الاقتصادية. وبحسب تقرير وزارة العمل للعام 2013 (آخر تحديث متاح) بلغ إجمالي رواتب السعوديين بالقطاع الخاص خلال العام (2013) نحو 83.2 مليار ريال، فيما بلغت رواتب الوافدين العاملين في القطاع الخاص لنفس العام 115.9 مليار ريال. مما يعني أن إجمالي ما ينفق من رواتب وبدلات وأجور للموظفين في المملكة يزيد على 513.3 مليار ريال في العام، أي ما يتجاوز 42.8 مليار ريال شهرياً، منها 26.2 مليار من الحكومة و16.6 مليار من القطاع الخاص. ورغم الإقرار بأن 513.3 مليار ريال لا تمثل كل ما يُصرف للموظفين، كما أنه لم يحسب بدقة ليشمل بيانات الأجور في القطاعات وفقاً لأحدث البيانات، إلا أنه يستخدم هنا كمؤشر تقريبي ليس أكثر، ولعل من الملائم القول إن قيمة إجمالي الأجور التي تنفق حالياً في المملكة هي أعلى من 513.3 مليار ريال. ودون الإغراق في النواحي الاقتصادية، فأحد المؤشرات التي تستخدم لتتبع أداء الاقتصاد الكلي هو مؤشر الأجور نسبة للناتج المحلي الإجمالي، وباعتبار أن الرقم التقديري أعلاه يمثل الأجور للعام 2014 (في الحد الأدنى)، فنجد أن نسبة الأجور للناتج المحلي الإجمالي للمملكة تقدر بنحو 18.3 بالمائة. وهي نسبة منخفضة مقارنة باقتصادات مجموعة العشرين، ولعلنا في المملكة بحاجة لرصد قيمة هذا المؤشر وتتبعه فصلياً، فهو يمثل محصلة التوازن بين نمو الأجور ونمو الناتج المحلي الإجمالي، فارتفاع النسبة يعني نمو الأجور بوتيرة أعلى من النمو الاقتصادي، والعكس بالعكس. وليس القصد من التوجه لرفع الرواتب في القطاع الخاص، لا سيما رواتب السعوديين، أن توزع أتوات، بل التحسين المستمر لظروف العمل وللأجور لاستقطاب السعوديين وأفضل الوافدين. ومن جهة أخرى، الدفع بالسعوديين للتوجه للوظائف الفنية والهندسية والمهنية فهي التي يقبل عليها الوافدون بأعداد كبيرة، وفقاً للإحصاءات الرسمية، وهي الوظائف التي توفر أجراً عالياً نسبياً وكذلك مساراً مهنياً يُمكن الموظف من التطور وتنمية مهاراته وقدراته. ولعل الأمر لا يتوقف عند مجرد استقطاب الباحثين الجدد عن عمل من السعوديين، بل لا بد من تحسين الأجور في القطاع الخاص بما يمكن اقتصادنا من استقطاب أفضل الموارد البشرية من الخارج، فالقضية دائماً كيف وليس كماً، وتكتسب هذه النقطة أهميتها من خلال أن هدفنا نمو الناتج المحلي الإجمالي، ولا سيما غير النفطي، وهذا يتطلب منافسة، والمنافسة لن تأتي عَرَضاً بل من خلال موارد بشرية مؤهلة، وهذه يستقطبها الأجر المرتفع، فهي مورد نادر وليس متاحا لمن لا يُقَدم أفضل أجر. ومن ناحية ثالثة، فلا بد من العمل حثيثاً على تسريع وتائر الخصخصة، بحيث لا تمارس الإدارات الحكومية أي نشاط اقتصادي بوسع القطاع الخاص القيام به. وبذلك سنجد أن تحسين الأجور سيجعل ممارسة الأنشطة الاقتصادية من نصيب القطاع الخاص، وعبر تحسين الأجور سيكون من السهل تحويل مؤسسات القطاع العام إلى حياض القطاع الخاص دون إرباك، باعتبار أن هناك اتساقا في المزايا. وفي المحصلة سيحقق ذلك الجهد أمرين: الأول تحسين إنتاجية القطاع الخاص وتوسيع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، والثاني تقليص عدد العاملين في الجهاز الحكومي. وكلا الهدفين يحقق المقصد من التنويع الاقتصادي والخروج من عباءة النفط، بمعنى أن الاستقرار الاقتصادي لن يعود مرهونا لتأرجحات إيرادات النفط، وبالقطع، فالمسار ليس سهلاً لكنه ضروري، حتى لا تكون بوصلة الاقتصاد السعودي مرتبطة ببورصات النفط، بل بما ننتجه من سلع وخدمات، وبمهارة وقدرة الموارد البشرية المحلية على الإنتاج تنافسياً.