هل هناك حدود لحرية التعبير، أو هل ينبغي أن تكون هناك حدود لتلك الحرية؟ وهل من الممكن عملياً صياغة نظام موحد ومتفق عليه عالمياً لمبدأ حرية التعبير وصيانته؟ هذه التساؤلات أثارت ولا زالت تثير جدلاً واسعاً في الغرب، خاصة بعد الهجوم الذي تعرضت له صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية في يناير الماضي وراح ضحيته 12 من صحفييها. وواقع الأمر أن هذا الجدل لم يقتصر على الدول الغربية وحدها بل شمل دولاً عديدة حول العالم تفاوتت مواقفها بحدة بهذا الشأن. المحكمة العليا الأمريكية نفسها تعترف بعدد من الحالات التي حال ثبوتها فإنها تعتبر خارج نطاق حرية التعبير، وتلك الحالات هي: الفحش، إباحية الأطفال، القذف، والتحريض على العنف أو التهديد به. أضف إلى ذلك أن العديد من الولايات الأمريكية كان لديها قوانين تمنع ازدراء الأديان رغم مخالفة ذلك لحق حرية التعبير المكفول بالدستور، فضلاً عن تلك القوانين الخاصة بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست والذي تجرِّمه العديد من الدول الأوروبية ولا تدرجه ضمن حقوق حرية التعبير. الأمم المتحدة أصدرت وثيقة تسمى «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» حاولت فيه وضع معايير لحقوق الإنسان متفق عليها عالمياً. ورغم أن هذه الوثيقة تتضمن العديد من المبادئ السامية والضرورية التي لا يمكن الخلاف على أهميتها، إلا أنها تفتقر للقدرة على مراعاة بعض الفروق الثقافية الجوهرية لكل دولة، وقد أشار إلى ذلك روبرت ريتشاردز مدير ومؤسس مركز PCFA المتخصص في تنمية الوعي والفهم بمبادئ حرية التعبير، حيث قال: «رغم تأييدي الشديد لحق التعبير وبأن الإعلان العالمي لحقوق الانسان يتضمن فلسفة راسخة، إلا أني أؤمن بأن لكل دولة الحق في صياغة قوانينها الخاصة بذلك». ولكن ماذا عن فهمنا وإدراكنا نحن لمفهوم «حرية التعبير»؟ الحقيقة أن كثيراً مما يكتب لدينا بهذا الشأن هو عبارة عن انسياق وانتقائية جل همها توظيف المفهوم لمصلحة معينة، حيث نجد أصواتاً تريد حرية تعبير غير مشروطة على غرار النموذج الغربي، مغفلة أن لذلك النموذج استثناءاته التي أشرت إليها سابقاً، وفي المقابل نجد أصواتاً أخرى ترغب في وأد جميع حريات التعبير باستثناء ما يخدم منها أهدافهم وفكرهم. نحن اليوم بحاجة إلى صياغة جديدة محددة لمفهوم «حرية التعبير» تتناغم مع المعايير الدولية قدر المستطاع دون خروج عن ثوابتنا الدينية الواضحة والمحسومة، ويتم فيها تحديد كل ما نعتبره مرفوضاً وخارجاً عن نطاق حرية التعبير، ومن ذلك: القذف، ازدراء الأديان، التحريض على العنف، الدعوات الطائفية أو العنصرية، الفحش والإباحية، وكل ما يمس أمن البلد واستقرارها والتعرض لرموزها. إن وجود أنظمة وقوانين صريحة لكل ذلك سيضع حداً لسوء توظيف المفهوم، إضافة لقطعه الطريق أمام كثير من المحاولات الخارجية الساعية لتشويه صورة المملكة عبر هذا الباب.