الأوضاع المسلكية في مدارس التعليم العام السعودية تحتاج الى حملة تصحيح ومراجعة، فقد أصبحت معادلاتها مقلوبة وصار المدرس متهما حتى تثبت براءته، ولا أقول هذا دفاعا عن أحد ولكنها الحقيقة، والاثبات إيقاف مدرس في جازان لانه صور طالبا صغيرا وهو في حالة بكاء ورجاء، وتحويله الى العمل الإدارى بانتظار تطبيق عقوبة مناسبة بحقه، وعلى الارجح سيتم نقله من منطقته الحالية وتعيينه على وظيفة إدارية، والمقطع المصور بكاميرا «الموبايل» انتشر إلكترونيا، وحول المسألة الى قضية رأي عام، ولم تكن حجة من أيد التصرف مقنعة أو مقبولة عند الأغلبية المحتقنة، ومعظمها يرفض سلوك المدرس غير الإنساني في شكله الخارجي. التفاصيل مفيدة احيانا، وفيها ان المدرس في المرحلة الابتدائية، أبلغ المشرف التربوي ومدير المدرسة وأهل الطالب بما قام به بعد أول مرة، وأخبرهم بانه كان لحل مشكلة بكائه المستمر بمناسبة أو بدون، ووجد منهم تـرحيبا ومباركة، وبحسب كلامه، الطالب نفسه تأثر إيجابيا وتوقف البكاء وتحسن مستواه الدراسي، وأكد المدرس تسليم مقطع الفيديو، موضوع الجدل، إلى المشرف الطلابي بالمدرسة قبل شهر من نشره، ولا علم له بشخصية من سربه ولماذا، واعترفت إدارة التربية والتعليم بأن سجل المدرس نظيف ولم تسجل عليه سوابق طوال 17 عاما قضاها في سلك التعليم، عمل خلالها مدرسا لطلبة الابتدائي لمدة 12 عاما، وأضافت ان المدرس متميز وطلابه يقدمون مستوى افضل في الصفوف الدراسية التالية. كـانت القضيـة موضــوعا مفضـلا لبعـض الصحـافة المحليـة، وتناولتها بشغف وبوليسية ولم تترك طرفا إلا واخضعته للاستجواب، ربمـا لانهـا جـديدة في أسلـوبها وملابساتها وتاريــخ وقوعها، ولمن لا يعرف فإن المعلمين او المدرسين في التعليم العام، أيهما أصح أو أنسب، يشكلون أغلبية في أوساط الصحافيين وكتاب الرأي السعوديين، وهم بالتالي يقومون بتدريس صغار المجتمع وكباره من منبرين مختلفين نسبيا، وعلاقتهم بالصحافة المطبوعة تحديدا قديمة ومتجذرة، وسأتجاوز فكرة تعارض المصالح رغم أنها واردة. هوية المدرس والطالب وصورة الاثنين منشورة ومعروفة ومعهما المدرسة، ولا أجد مبررا معقولا لإعادة التعريف بهم، وقد شكرت إدارة التربية والتعليم من تطوع وساعدها في معرفة المدرس المتهم، ووعدت بمحاسبة سريعة ومرضية، خصوصا وان انتشار المقطع، طبقا للمنشور، ساهم ولأسباب نفسية في انقطاع الطالب الضحية عن الدراسة ومجمـــوعة من زملائه، وما حدث لا يخالف لوائح السلوك والمواظبة في مدارس التعليم العام لوحدها، وإنما ايضا نظام المطبوعات والنشر الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام، ما يعني ان ثبوت التهمة يفترض عقوبتين، الأولى تربوية والثانية إعلامية. الموقف المبدئي للمدرس واضح ولمح له في المنقول على لسانه صحافيا، ومفاده ان المقطع استلمه المشرف الطلابي، ومسؤوليته في تسريب المقطع غير مستبعدة، واستغرب ان لجنة التحقيق لم تنظر في جزئية التسريب فلولاها ما حصلت الهوجة الإلكترونية والصحافية من الأساس، والمدرس قال بان التصرف تم بمباركة من المشرف والمدير وأهل الطالب، والمفروض، في الأحوال المثالية، سؤال هؤلاء باعتبارهم شركاء بالتمالؤ، إن جاز التعبير، ثم لماذا لا تكون الكفة متوازنة وتحترم حقوق المعلم كما الطالب، والأول تنتهك حقوقه بشكل فاضح ومتكرر، ولا يوجد نظام يحميه او يحفظ هيبته او يهتم بشؤونه ويكون لجان تحقيق لمعالجتها، وقائمة الانتهاكات ضده تبدأ بالتلفظ والاعتداء الجسدي او تخريب الأملاك الشخصية وقد تصل الى القتل، والمتهمون فيها دائما طلبة هذا او ذاك، ونادرا ما يقوم المدرس باعمال مشابهة، وحتى في المقطع لم يخرج فعله عن تصوير طالب في حالة بكاء ورجاء وإن أخطأ ..