×
محافظة المنطقة الشرقية

أضخم مولود على وجه الأرض

صورة الخبر

منذ الأسبوع الاول لبداية حملة عاصفة الحزم، ومن بعدها حملة إعادة الامل للتحالف العربي بقيادة المملكة في اليمن وحتى اليوم، صدرت مجموعة التقارير الغربية حول تكاليف هذه الحملة بعضها قريب من الواقع، أما البقية فهي غير منطقية وذات أبعاد سياسية معروفة ولا تستند الى وقائع أو أرقام حقيقية. لا يستطيع أحد حتى الساعة تقديم أرقام حقيقية حول تكلفة الحرب وهذا أمر متوقع ويتكرر دائما في حروب كثيرة، والعقيد احمد عسيري المستشار بمكتب سمو وزير الدفاع والمتحدث باسم التحالف وخلال مؤتمراته الصحفية اليومية خلال مرحلة عاصفة الحزم لم يعط جوابا مباشرا حول تكلفة الحرب وهذا أمر طبيعي ومفهوم في مثل هذه الظروف، وقد كان جوابه دائما أن استقرار اليمن وحماية شعبه والمحافظة على حدود المملكة لا تقدر بثمن، وهو محق في ذلك الا أن هذا الجواب لا يشبع نهم المحللين حول التكلفة المتوقعة للحرب في اليمن. لا شك أن المملكة تتحمل بشكل أساسي تكاليف الحرب كونها تقود التحالف العربي إذ تشارك وحدها بمئة طائرة مقاتلة على الاقل بخلاف القوات البرية المتأهبة على الحدود وتقديم التدريب والدعم المادي واللوجستي اللامحدود لعمليات الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية المواليين للشرعية على الارض اليمنية، ولا ننسى هنا تقديم المساعدات للدول المشاركة في التحالف من خارج مجلس التعاون الخليجي وهي مصر والمغرب والأردن والسودان. وتتلقى مصر القسم الأكبر من هذه المساعدات التي يتم تقديمها من أجل الحرب أو لأغراض أخرى، فخلال مؤتمر شرم الشيخ أواسط مارس 2015 تعهدت السعودية والكويت والإمارات بشكل معلن بتقديم 12.5 مليار دولار لمصر على شكل مساعدات واستثمارات وودائع في البنك المركزي المصري. أما المساعدات المقدمة إلى الأردن والمغرب والسودان فتقدر بحوالي 6 مليارات دولار. بعض التقارير الغربية تحدثت بشكل مبالغ فيه حول التكلفة التقديرية للحرب وصلت في أقصاها الى 70 مليار دولار منذ انطلاق عاصفه الحزم في مارس الماضي، وهو بلاشك رقم بعيد عن الواقع ولا يتناسب مع أبسط قواعد التحليل المنطقي، فلا بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي الشهرية ولا صفقات الاسلحة المعلنة تدعم مثل هذه الارقام، ولا أعلم كيف يتم استنتاج مثل هذه الارقام المبالغ فيها بالرغم من الشفافية والمهنية العالية التي تمارسها الجهات المالية والنقدية المسؤولة في المملكة في تقديم المعلومات والارقام الفعلية للوضع الاقتصادي والمالي للسعودية للمنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والعديد من مراكز البحوث الاقتصادية الغربية. أعلم جيدا ومعي كثير من المحللين المنصفين أن الوصول لرقم حقيقي للتكلفة الفعلية للحرب أمر صعب في الوقت الحالي لاسباب كثيرة لا مجال لحصرها في مقال واحد الا ان تجارب الدول السابقة في الماضي القريب والعمليات العسكرية التي تمت في المنطقة خلال العقدين الماضيين تعطي مجالا لافتراض سيناريوهات قد تكون الاقرب لتحديد التكلفة المتوقعة للحرب دون المبالغة في تهويل الارقام لاغراض سياسية نعلم أهدافها جيدا، لذلك نستطيع باستخدام هذه الوسيلة ووسائل أخرى التوصل لارقام قد تكون الاكثر قرباً للواقع، لذا وعلى افتراض استخدام 100 طائرة يوميا كما أعلن التحالف، قد تكون تكلفة الحملة الجوية في حدود 400 مليون دولار شهريا متضمنا كلفة تشغيل الطائرات وإحلال ونوعية الصواريخ المستخدمة وقطع الغيار والتموين وخلافه، وهو رقم متوسط قريب للواقع اذا ما قورن بتكلفة الحرب الجوية التي شنتها الدول الغربية على نظام القذافي في ليبيا خلال العام 2011 والتي استغرقت فترة زمنية تراوحت بين خمسة الى ستة أشهر أو الحملة الجوية المستمرة منذ فترة ليست بالقصيرة من قبل التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق، ولابد من الاشارة هنا الى أن الفروقات في التكلفة تتباين بنسب معروفة للعسكريين حسب بعد او قرب الاهداف المنتقاة من القواعد العسكرية لانطلاق المقاتلات ومدى احتياج الطائرات المقاتلة لاعادة تزويدها بالوقود في الجو الا ان بعض المحللين يرون ان التكلفة قد تزيد او تنقص حسب قدرة القائمين على شؤون الحرب اليومية في كيفية ادارة المعركة وتكاليفها. أما بالنسبة للتكلفة التقديرية المتوقعة للحرب البرية الجارية حاليا، فالتقارير الغربية نفسها تشير الى أنها قد تتراوح بين ثلاثة الى أربعة مليارات دولار شهريا، وهو رقم أيضا كبير ولا يتناسب مع حجم القوات الفعلية المتواجدة على الارض ودرجة تسليحها، وإذا ما أخذنا الوقائع على الارض حاليا بعد نجاح التحالف العربي بقيادة المملكة في تحرير عدن بالكامل والمحافظات المحيطة بها وقاعدة العند العسكرية وأجزاء كبيرة من تعز ومحافظة مأرب والتدخل البري المحدود للقوات السعودية لمعقل الحوثيين في صعدة شمال اليمن فإن التكلفة التقديرية الواقعية لمثل هذه العمليات تتراوح بين 400 الى 500 مليون دولار شهريا وذلك على افتراض استخدام قوات برية محدودة نسبيا لا تزيد على 35 ألف جندي وخلال فترة زمنية لا تزيد على سنة، وهذه الارقام تم استنتاجها بناء على حروب سابقة للجيش الاميركي في أفغانستان والعراق، أو تدخلات محدودة من بعض الدول الغربية كالتدخل الفرنسي في مالي عام 2013 أو الجيش الروسي في أوكرانيا، وكذلك عمليات حفظ الامن والسلم التي تقوم بها الامم المتحدة في كثير من الدول وهي معلومات وأرقام متوفرة ويمكن الحصول عليها من مصادر موثوقة. النجاحات التي حققتها عاصفة الحزم خصوصا في التسعين يوما الماضية في تحرير جزء كبير من اليمن وعودة الحكومة اليمينة للعاصمة المؤقتة عدن قد قلبت كثيرا من توقعات المحللين الذين شككوا في قدرة التحالف على خوض الحرب البرية بعد النجاح المثير للدهشة للحملة الجوية التي استخدمت أسلوب الصدمة والترويع وإحكام السيطرة على كامل الاجواء اليمنية منذ اليوم الاول لعاصفة الحزم، وقد قلنا سابقا ونكررها حاليا إن حماية حدود المملكة وحفظ أمنها واستقرار عمقها الاستراتيجي في اليمن لا تقدر بثمن، ولا يمكن بأي حال من الاحوال التراخي في ذلك وهي تتجاوز المال الى بذل النفس، وقد ذكرت في مقال سابق أنها ليست المرة الاولى التي نمر بها في مثل هذه الظروف فنحن لنا تجارب كثيرة في حرب الخليج الاولى وحرب تحرير الكويت وغيرهما من الظروف الصعبة والقاسية في مراحل مختلفة مرت بها المملكة خلال عمرها الممتد لاكثر من 80 عاما راكمت لدى الجيل المخضرم السابق خبرة طويلة وعميقة سيستفيد منها بالتأكيد فريق العمل الاقتصادي الحالي، كما ان الاحتياطيات الضخمة للمملكة التي تتراوح بين 2.2 الى 2.5 ترليون ريال سعودي وتراجع الدين السيادي للمملكة خلال الخمس سنوات الماضية الى مستويات متدنية عوامل مهمة للوفاء باية التزامات طارئة او أحداث سياسية ذات أبعاد عسكرية قد تمر بها المملكة خلال هذه الفترة. نحن نؤمن ايمانا تاما بعد إيماننا بالله عز وجل أن فريق العمل العسكري المناط به ادارة الحرب قادر على ادارتها بالشكل الصحيح وكذلك الحال لفريق العمل المالي والاقتصادي الذي يسعى بشكل متواصل وبالتنسيق مع فريق العمل العسكري على دعم المجهود العسكري وفي نفس الوقت المحافظة على تحقيق استقرار اقتصادي ومعدلات نمو تعكس قوة المركز المالي للمملكة.