إعداد: إبراهيم باهو العقل السليم في الجسم السليم، مقولة شائعة، تثبت الدراسات والأبحاث العلمية كل يوم صحتها، فالرياضة مفيدة للصحة ودواء للدماغ، فاليوغا على سبيل المثال مفيدة للاسترخاء ولمرونة أجسامنا، والركض يساعد على التمتع باللياقة والقوام الرشيق، ومؤخراً أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن التمارين الرياضية تجعلنا أذكياء، وعلى الرغم من أن تأثير كثير من هذه التمارين غير ملاحظ بالنسبة إلى الناس العاديين، فيبدو واضحاً للعلماء، الذين يعكفون على فحص ودراسة أدمغة من يمارسونها، فدماغ الرياضي، أكثر نشاطاً وقدرة على القيام بالتحديات العقلية بشكل سليم كما أن الذاكرة لديهم تتطور كثيراً. وتؤكد الدراسات العلمية مؤخراً أن اللياقة البدنية تساعد الإنسان على مواجهة أمراض التدهور المعرفي والشلل الرعاش المعروف باسم باركينسون والخرف والزهايمر فضلاً عن الاكتئاب، فمن يمارسون التمارين الرياضية يزيد عندهم مستوى وصول الأكسجين إلى الدماغ، وبالتالي يساعد على تنشيطه وتحفيزه لضخ الهرمونات المضادة للأمراض، كذلك فإن الرئتين والقلب والعضلات لديهم تصبح أقوى ويعملون بفعالية أكبر. ومع تطور العلم يسعى الباحثون إلى تحديد تأثير تمارين محددة من شأنها تقوية الجانب الإدراكي والمعرفي للإنسان بشكل أكبر، وبالتالي التركيز عليها، فهم يبحثون عما أبعد من ممارسة الرياضة العادية لمدة 30 دقيقة في اليوم وتأثيرها في أدمغتنا. وبدأت دراسات تأثير التمارين الرياضية في الدماغ، حين ركز العلماء أبحاثهم على القوارض قبل 15 عاماً، فتبين لهم أن السماح لفأر باستخدام لعبة العجلة الدوارة أدى إلى تقوية الخلايا العصبية ونموها في دماغه خصوصاً في منطقة قرن آمون أو الحصين المسؤولة عن اختزان الذاكرة والتمثيل الحيزي للبيئة المادية، وخلص العلماء إلى أن ممارسة الفأر للركض في العجلة الدوارة أدى إلى إفراز الحصين لبروتين يسمى عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ ويعرف اختصاراً بـBDNF الذي يعد من أهم عوامل النمو القويم للأعصاب، كما أظهرت الدراسات أن الفأر بعد ممارسة لعبة العجلة الدوارة، تطورت عنده الذاكرة بشكل كبير وأصبح قادراً على التنقل في المتاهة بشكل أفضل. وبعد معرفة تأثير التمارين الرياضية على الفئران، سرعان ما لجأ العلماء إلى تطبيقها على الإنسان فتبين لهم أن المسنين الذين يمارسون التمارين الرياضية مثل صعود الدرج أو ركوب دراجة ثابتة أو جهاز المشي أو ممارسة التزلج أو التجديف أوالسباحة، 3 مرات أسبوعياً، فإن منطقة الحصين في أدمغتهم تعمل بشكل أفضل وأصبحوا قادرين على اجتياز اختبارات الذاكرة بتحسن ملحوظ. وعلى مدار أعوام، ظهرت دراسات عدة تبين أن التمارين الرياضية مثل الجري وركوب الدراجات الهوائية تقوي الذاكرة لدى الإنسان وتحميه من خطر الإصابة بالزهايمر أو الخرف مع التقدم بالعمر. وأظهرت دراسة أجرتها تيريزا ليو أمبروز، الأستاذة المساعدة بكلية الطب في جامعة كولومبيا البريطانية، أن التمارين الرياضية باستعمال الأوزان والمشي بالهواء الطلق تساعد المسنين على مواجهة أمراض كالخرف والزهايمر، بحسب مجلة نيو ساينتيست. وأجريت الدراسة من خلال متابعة 86 امرأة بعمر بين 70-80 سنة ممن يعانين اضطراباً بالذاكرة والتفكير، والتي تعتبر حالة مؤهلة لمرض الزهايمر والخرف. وقسمت السيدات بشكل عشوائي لاتباع واحد من 3 أنظمة للتمارين الرياضية لمدة 6 أشهر، المجموعة الأولى أجرت التمارين باستخدام الأوزان، والثانية واظبت على التمارين الهوائية والمشي خارج المنزل للوصول لعدد ضربات القلب الملائمة للعمر، والمجموعة الثالثة مارست تمارين اليوغا والتوازن. وفي غضون هذه الفترة خضعت السيدات إلى متابعة شديدة من قبل الباحثين مع أمبروز لمعرفة مدى مراجعتهن للنظام الصحي وطلب الرعاية الصحية ووصف الأدوية لتحديد مقدار التكلفة المادية، ولاحظوا أن النساء اللائي اتبعن المشي بالهواء الطلق والتمارين الهوائية أو التمارين باستخدام الأوزان راجعن الخدمات الصحية بتواتر أقل، وكانت مراجعتهن للطبيب أو طلب التحاليل المخبرية أقل بالمقارنة مع من قمن بتمارين التوازن واليوغا. وفي سياق متصل أجرى العالم الهولندي فيليم بوسرز من جامعة خرونينغن الهولندية، دراسة على تأثير التمارين الرياضية القوية في المسنين الذين يعانون بعض الأمراض كالخرف، فتبين أن العمل البدني مع الجري يأتي بنتائج أفضل على صحة المسنين، والوظائف المعرفية عندهم نشطت وتطورت وتحسنت ذاكرتهم. وأجرى بوسرز تجاربه على 109 أشخاص ممن كانوا يعانون مراحل مبكرة من الخرف، وقسم هذا العدد إلى 3 مجموعات، الأولى تمارس رياضة الجري لمدة 30 دقيقة 4 مرات في الأسبوع، والثانية تمارس المشي لمدة 30 دقيقة مرتين في اليوم مع ممارسة رياضة بدنية ليومين وبنفس الدقائق، والأخيرة تمشي بشكل محدود. وقال العالم الهولندي: يبدو أن المشي للمسنين لا يأتي بأي نتيجة، عليهم ممارسة تمارين رياضية ذات جهد بدني. كما ظهرت دراسات عدة على تأثير التمارين الرياضية في أدمغة الأطفال، ففي دراسة أعدتها ماريا تشيارا غالوتا من جامعة روما بإيطاليا أظهرت أن الأطفال الذين يمارسون تمارين وألعاباً رياضية مثل كرة السلة وكرة اليد والجمباز على فترات متواصلة تساعدهم على تخطي اختباراتهم الدراسية بشكل أفضل، خصوصاً تلك التي تتطلب منهم التركيز الشديد كمسائل الرياضيات. ويؤكد تشارلز هيلمان، طبيب الأعصاب والحركة في جامعة إلينوي، أن الأطفال الذين يشاركون في سباقات الركض للمسافات الطوال يتفوقون في اختباراتهم على الطلاب الآخرين. واستنتج من ذلك أنه ربما هناك رابط مهم ومغفل بين العضلات والدماغ، وإن كان بالإمكان تنمية العقول وليس فقط العضلات من خلال تمضية ساعات طوال في النادي الرياضي، لذلك وبمساعدة زملائه، جمع عدداً كبيراً من الطلاب تتراوح أعمارهم بين الـ 9 و11 عاماً، وأخضعهم لتمارين رياضية: الركض السريع، وتمارين رفع الجسم باليدين وتقوية عضلات البطن، ثم قارن قدراتهم الجسدية بعلاماتهم في الرياضيات والقراءة، فتبين أن الأولاد الذين يتمتعون بالأجسام الأكثر لياقة كانوا الأكثر ذكاء، واستنتج هيلمان أن الرياضة تعزز قدرات التلاميذ العقلية. وفي دراسة أخرى أجراها هيلمان أشار إلى أن 20 دقيقة فقط من المشي قبل الاختبارات أدت إلى تحسن نتائج الأطفال، حتى لو كانوا غير لائقين أو كانوا يعانون زيادة الوزن. وتشير الدراسات إلى أن التأثير العصبي لممارسة الشباب لتمارين اللياقة البدنية كبير جداً، وبحسب دراسة سويدية أجرتها جامعة غوتنبرغ قبل سنوات، فإن من بين نحو مليون شاب في عمر الـ18 الذين التحقوا بالجيش، فإن اللياقة البدنية كانت مرتبطة بارتفاع معدل الذكاء. وأظهرت الدراسة أن الأكثر لياقة منهم كانت لديه فرص أكبر للحصول على وظائف أكثر، إلا أن الدراسة لم تعثر على أي علاقة بين قوة العضلات ومعدل الذكاء. وقال جورج كوهن، الأستاذ في الجامعة وأحد المشاركين في الدراسة: ليس هناك دليل على أن ممارسة التمارين الرياضية يؤدي إلى ارتفاع معدل الذكاء، ولكن يعتقد الباحثون أن التمارين الرياضية، تنتج عوامل نمو خاصة وبروتينات تحفز العقل على العمل.