تُعد المدرسة والأسرة والبيئة الحاضنة والأصدقاء والإعلام بمختلف أشكاله ومستوياته، أهم وسائط التنشئة الاجتماعية التي تُسهم في تنمية الشخصية الإنسانية من جميع جوانبها النفسية والعقلية والمزاجية والاجتماعية، بل هي أشبه بمؤشر حساس ودقيق لقياس مجموعة القيم والمعايير والأدوار التي تتشكل منها شخصية المجتمع بمكوناته وتعبيراته. وتُعتبر المدرسة، هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بعدة وظائف وأدوار ومهام، ثقافية وفكرية وعلمية وتربوية، وهي جسر عبور آمن باتجاه التنوير الحقيقي الذي يُحقق أهداف وتطلعات وطموحات الأمم والمجتمعات والشعوب. والكتابة عن الأدوار والوظائف الكبرى التي يجب أن تقوم بها المدرسة، تحتاج إلى عمل مؤسساتي متخصص في هذا القطاع الحيوي المهم الذي يُلامس كل تفاصيل الحياة، وذلك من خلال الدراسات والأبحاث والمؤتمرات، لأنها أي المدرسة تُمثل حجر الأساس لبناء قاعدة مجتمعية صلبة تصمد أمام كل الاختراقات والمؤثرات والمتغيرات والتحولات. والمتتبع للأرقام والاحصائيات والنسب التي تُشكل منظومة التعليم في وطننا، تُسيطر عليه مشاعر مختلطة من الدهشة والصدمة والفرح والفخر والحزن والوجع، فهناك خمسة ملايين ونصف مليون طالب وطالبة في التعليم العام، تحتضنهم أكثر من ألف مدرسة، ويقوم بتعليمهم ألف معلم ومعلمة. وهناك مليون ونصف مليون طالب وطالبة يدرسون في جامعة حكومية، يقوم بتدريسهم ألف عضو هيئة تدريس، إضافة إلى الكثير من الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة. هذه الأرقام والاحصائيات المفرحة والمفزعة في آن معاً، تُعلّق جرس إنذار لحشد الاهتمام وتوجيه الرعاية لقطاع التعليم الذي يحتاج لنقلة نوعية تتناسب مع كثافته وخطورته وحجم الإنفاق عليه الذي يُعد الأضخم في ميزانية الدولة. أعرف أنها مقدمة طويلة جداً، ولكنها ضرورية، لأصل لهدفي من هذا المقال، وهو الكتابة عن دور المدرسة كحاضنة أمينة لكل هذه الملايين من أطفال وشباب هذا الوطن، في محاربة ومكافحة الأفكار المتطرفة والسلوكيات المنحرفة، والتي بدأت تظهر وسط أجيالنا الشابة التي تُمثل أكثر من من مجمل سكان الوطن!. الطالب والمعلم والمنهج والأسرة، هم الأضلاع الأربعة المهمة التي تُشكل "مربع التعليم" الذي يُمثل الخطوة الأولى في مسيرة النهضة التنموية الحقيقية لأي وطن. السؤال هنا: هل يُدرك المسؤولون والمعنيون بقطاع التعليم حقيقة كل ذلك؟ أعمل في التعليم منذ سنوات، وأعرف جيداً أهمية وخطورة وتأثير المدرسة بكل تفاصيلها على فكر ومزاج وسلوك الطالب، ولكنني بكل أسف ألمس عن قرب حالة الكره والنفور وعدم الرغبة التي يحملها الطلاب ضد المدرسة، وهنا تكمن المشكلة. ساعات طويلة، يقضيها الطالب في مدرسة يراها أشبه بسجن تتطاول أسواره من كل الاتجاهات والفضاءات لتمنعه من القفز بحرية نحو الفرح والمرح والمتعة والسعادة والحياة الطبيعية التي يحلم بها. مدارسنا، هي الحاضنة الأهم التي يُمكن الوثوق بها لتكون خط الدفاع الأول ضد كل الأفكار الهدّامة والجماعات والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية، ولكنها قبل كل ذلك، بحاجة ضرورية لأن تُعد جيداً لهذه المهمة الوطنية الكبرى.