--> كانت شكوى صديقي من كتيبة الفضوليين التي تحيط بحياته، باباً يلج منه الحضور للنقاش في ذاك المساء الجميل. البداية، كانت مع أحمد الذي كان يعاني من فضول جاره، ومحاولة معرفة ما يفعل، ومتى يسافر وماذا يُحضر للمنزل، وكان الموضوع يبدو لي أكثر تعقيداً مع أسامة الذي قص علينا عن ذلك الرجل الذي استوقفه على باب المسجد، وانطلق بالأسئلة كالرشاش، حيث سأله متى تزوجت، وأين تعمل، وكم دخلك، وكم من الأبناء لديك، وهل تسكن في بيت ملك أو إيجار؟! إلى أن قاطعه حيث لم يكن مرتاحا من هذه التوغل في حياته الخاصة، وقد كان حازماً مع دبلوماسية ذكية. دورة القصص لم تنته، حيث يروي إبراهيم معاناة أخواته البنات من الفضول المنتشر في بعض الوسط النسائي بشكل خطير، حيث السؤال عن التخرج، يعقبه السؤال متى الزواج، ثم السؤال متى الانجاب؟ والعجيب، أن بعض اخواته في سنة الزواج الأولى، يُطلب منهن الذهاب للطبيب؛ للكشف عن تأخر الحمل!! والأمر لا ينتهي هنا، فمن رُزقت بذرية من البنات يضعط عليها المجتمع بشكل مقزز، حول انجاب الذكر، وكأنها تختار عبر الخدمة الذاتية!! وقس على ذلك من التوغل الاجتماعي، في مساحة يفترض فيها الخصوصية واحترام حرمات البيوت. في كثير من الدول تُدرس فنون الاتيكيت في المدارس، ومنها الأسئلة الممنوعة، مثل سؤال المرأة عن عمرها أو الرجل عن دخله، ولكني رغم أني أطمح لهذا عبر إقرار مادة للأخلاق والسلوك، إلا أنني أرى هناك مجالا لتعليم وتربية النشء على هذه الخصوصية، والآداب، وتوجيه الفضولي منهم توجيها ينزع منه هذا الشغف السلبي بأخبار الناس ودواخلهم وأسرارهم. ينظر الناس للإنسان الفضولي على أنه فارغ العقل، أو سطحي، أو بلا هدف، أو لديه وقت فراغ فيضيعه في مكالمات الضحى الاستخباراته، أو متابعة آخر ظهور لفلان على الواتس آب أو أن يمكث أسبوعا كاملا يحلل من أين جاب فلان مبلغ سيارته الجديدة، أو فلانة كيف سافرت لتلك الدولة!! لم يُمدح الفضول عبر التاريخ، إلا في العلم والأدب والسؤال عن التجارب والخبرات؛ ليستفاد منها. فإذا كان لكم أحد في هذه الكتيبة، فناشدوه التوبة والانسحاب، وأن يحترم خصوصية الآخرين، ولا يفتح معهم موضوعا خاصا إلا إذا هم فعلوا ذلك بدواعي الاستشارة أو البوح. ولن ننسى ذكر أن للفضول شهداء، فلقد تحدى مجموعة من الشباب أحدهم، ليسأل زياد ابن أبيه وهو مجهول الأب عن اسم والده، فقال زياد: والدي هذا السيف وقتله على الفور، فلا تكن أنت الضحية القادمة للفضول، وتذكر أن الحياة أثمن من أن تضيع في التلصص والفضول. www.salothaim.com @sultanalothaim مقالات سابقة: سلطان العثيم القراءات: 1