قبل الخوض فيما يتحتّم علينا بعد "تكفى يا سعد"، يؤكد كاتب هذا المقال -وهو في كامل إيمانه بالله سبحانه، وفي كامل قواه العقلية- على أن مقاله هذا انتهازي من الطراز الأول، واصطياد في الماء العكر، ومحاولة سافرة لتشويه الخطاب الدعوي، و"تجفيف منابع الدعوة"، والنيل من "الدعاة المصلحين"، وبهذا التأكيد يكون قد حاكم نيته بنفسه، قبل أن يحاكمها محاكمو النوايا، علهم يكفّون عن تشغيل "الأسطوانات المشروخة"، التي لم تعد مضامينها تنطلي إلا على تابعيهم بغير بصيرة. أما بعد "تكفى يا سعد"، فلم يعد هناك مجال لمجاملة أي خطاب تفوح منه روائح: الدم، والموت، والغدر، والتحريض، والبطولات الوهمية، وأفكار "الحاكمية" التكفيرية، أو أي خطاب يقوم على اتهام كل من لم يتّبعه من أرباب الفكر والقلم بالعلمنة والتغريب والفسق واتباع الشهوات، أو اتهام الدولة بمداهنة الكفّار والمشركين، ليبني على ذلك تكفير رجال الأمن واستحلال دمائهم، أو تكفير أتْباع أي طائفة إسلامية، يعيش أفرادها على ثرى هذا الوطن السعودي الكبير، ولهم ما للمواطنين جميعهم من الحقوق، وعليهم ما على المواطنين جميعهم من واجبات المُواطَنة. بعد "تكفى يا سعد"، لم يعد هناك مجال للحوار العاقل مع كل من يرى أن "الدواعش إخواننا بغوا علينا"، أو يؤكّد -جهرا- على أن قطع الرؤوس، والتمثيل بالأجساد، مما يعتز به المسلم! بعد "تكفى يا سعد"، يتحتّم إيجاد قوانين رادعة يُحاسب بها كل من يبرّر القتل ولو تلميحاً، أو يدعو إلى الرأفة بمن لم يرأفوا بنا ديناً ووطناً ومواطنين، أو يبني على التحزب السياسي رأياً فقهياً مُغرِّراً، في انتهازية هي الانتهازية عينها، بل إنها أسوأ من الانتهازية بكثير؛ لأنها انتهازية دنيئة تمتهن المُقدّس. بعد "تكفى يا سعد"، يتحتّم تفكيك خطابات التدين العصابي السياسي كلها، فالدين كله لله سبحانه، ولا ولاء إلا له وحده. وليست التنظيمات المتأسلمة على اختلافها، سوى مداخل للتغرير باسم الدين، ومواد لصناعة الأتْباع، وتشكيل الحشود المطيعة العمياء، التي باتت ترى الدين ماثلا في بدع الجماعات والتنظيمات العصابية، وتتوهم أنه لا استقامة دون التبعية لهذه الجماعات، التي لم تكن أدبياتها سلمية قط، فضلا عن أن تكون وطنية. بعد "تكفى يا سعد"، تتحتّم إعادة النظر في تراثنا الفقهيّ، للتخلص من السلطة المعرفية للنصوص المتشددة التي تقابلها في التراث نفسه نصوص متسامحة، عمدنا إلى إخفائها تحوّطا، أو جهلا، أو تعصبا لمذهب أو عالم، فشاعت نصوص القتل والدم، واختفت نصوص التسامح والعفو، على الرغم من أن الإطار العام لديننا العظيم مكون من: السلام، والسماحة، واليسر، وغيرها من أسباب تهذيب النفوس. بعد "تكفى يا سعد"، يتحتّم على "علماء" الشريعة تحقيق مصطلح: "المرتد"، وإيضاح أحكامه كلها، ليعرف شبابُنا من دينهم جوهره المتسامح، وعليهم ألا يتوقفوا عند الرأي الشائع الأوحد، وهو: "يُستتاب ثلاثا ثم يُقتل"؛ ذلك أن هناك أحكاماً مُغيّبة تحت ركام ضخم من الأحكام المتشدّدة الظاهرة.