يذكر الدكتور عبدالجليل السيف في كتابه (مشوار في دروب الوطن.. تجربة حياة)، والذي استعرضنا الحلقة الأولى منه في المقال الماضي أنه حصل في عام 1969م على درجة البكالوريوس في الإدارة الجنائية من جامعة ولاية ميتشجان.. وكان قد قرر البقاء لاستكمال دراسة الماجستير والدكتوراه، وكان لزاما عليه أن يدبر مصاريف الدراسة بعد انتهاء ابتعاثه بعد البكالوريوس، وليس هناك حل إلا العمل، فلهذا قرر استكمال دراسته العليا على نفقته، شجعه على اتخاذ هذا القرار الشجاع درجاته التي تحصل عليها ومساندة أساتذته وتشجيعهم له، فحتى يحصل على رسوم الجامعة وتكاليف المعيشة لا بد أن يعمل في معظم الإجازات الصيفية والعطل الأسبوعية والدينية، إذ أن الأجر فيها مضاعف.. فبدأ عمله بفندق الجامعة، حيث المطعم فكان يحصل على دولار ونصف في الساعة الواحدة، واستعانت به الجامعة للمشاركة في الإشراف على تدريب الطلاب الجدد فكان يحصل على دخل يغطي بالكاد تكاليف إقامته وسكنه ومصاريفه الدراسية. فضاعف من فترات عمله بالفندق، فمن غسل دورات المياه والتي توقف عندها ليقول: «... عندما أمرني المشرف أن أقوم بتنظيف الحمام، سألت نفسي هل أنا بالفعل بحاجة إلى هذا المال الذي يجبرني على غسل هذا الحمام؟! وكان لدي الخيار الصعب حينها، أن أمد يدي للأهل طلبا للمساعدة.. ودخلت في صراع داخلي بين الرغبة والممانعة من الحديث إلى الأهل، حيث كنت قد وصلت إلى مرحلة عدم الرغبة في طلب مساعدة الأهل على تكاليف إقامتي ودراستي، اعتمادا على الله تعالى ثم على نفسي.. وبعد التفكير الجاد، وجدتني قد تجاوزت مراحل كثيرة من حياتي، وقد استفدت من أعمال صغيرة وكبيرة من ذي قبل، فلماذا لا أستفيد من هذا العمل الذي على الأقل يمكن أن تروض نفسك على هذا العمل؟.. وفعلا قمت بتنظيف دورة المياه وخرجت مرتاح النفس وشعرت بالسعادة. لأني في الأخير قد انتصرت على ذاتي وطوعت نفسي.. وهو انتصار كبير في الوقت نفسه لذاتي.. هذا الموقف لن أنساه ما حييت..». كما عمل في الجامعة كمشارك مساعد لهيئة التدريس، فعرض عليه أحدهم العمل في شركة أمنية لتقوم بدوريات أمنية لعدد من القرى المحيطة بالمدينة مقابل دولارين في الساعة.. وعند استكمال رسالة الماجستير لم يبق إلا طباعتها، وهذا يكلف 300 دولار وعندما علم الملحق الثقافي الأستاذ عبدالعزيز المنقور بذلك عالج الموضوع ويرجح أنه دفعه من ماله الخاص. فنشرت جريدة الولاية خبر أنه أول طالب ينهي رسالة الماجستير في وقت قياسي بلغ 9 أشهر، وقد وصل عدد الجريدة إلى الشيخ عابد شيخ وزير التجارة، والذي أوصلها لسمو وزير الداخلية الذي تفضل بالموافقة على استكمال بعثة الدكتوراه على نفقة الدولة. وقال: «كان اختياري لتخصصي الدقيق (المرور) عن قناعة، حيث كانت ميولي منذ الصغر تتوق إلى الكشافة في مرحلة الصبا والشباب، وكنت أحد روادها في ذلك الحين ليس على مستوى مدينة القطيف فحسب، بل على مستوى المنطقة الشرقية والمملكة كافة..» ويذكر من زملائه وأصدقائه في الغربة حمود البدر وعبدالرحمن الجماز وسليمان سندي وعبدالله البتال وإبراهيم العيسى وعبدالله الطريري وصالح بن ناصر وغيرهم، ويذكر من مقالبهم وطرائفهم الشيء الكثير، فهم يعرفون مدى جديته وعمق علاقته بالملحق الثقافي المنقور وتكليفه دائما باستقبال الطلبة الجدد وحل مشاكلهم، وأن البدر والجماز قد اتصلا به في ليلة باردة كثيرة العواصف والثلوج طالبين منه باسم الملحق الذهاب للمطار لاستقبال طالب جديد، فذهب وانتظر لساعات، عاد بعدها بعد أن أكل المقلب الطريف. اختار لرسالة الدكتوراه عنوان: (دراسات مقارنة لقضايا السير وأنظمة المرور في المملكة العربية السعودية)، وجاءت كأول دراسة علمية ميدانية تتعلق بالمرور وبحوادث السير في المملكة، بالمقارنة بالعالم العربي والعالم عام 1391هـ/ 1971م)، وتعود أهمية هذه الدراسة كونها أول مرجع علمي موثق بالحقائق والأرقام لأوضاع السير في المنطقة العربية والمملكة، في وقت لم تتوفر فيه أية معلومات على المستوى الرسمي والأهلي، كما اشتملت الدراسة في جوانبها التحليلي على المكونات الشخصية لقائدي السيارات وعلاقتها بحوادث السير، وإلى جانب هذا كان له نشاط ملحوظ في النادي العربي للطلبة العرب، فقد تسلم رئاسته من الناشط المصري والعالم الفيزيائي الدكتور أشرف بيومي.. تحية إعجاب وتقدير لأبي فهد على هذه العزيمة وعلى هذه التضحية والمثابرة التي نحتاجها جميعا.. فهل يا ترى يوجد مثل هذا في أحد مبتعثينا في هذا الزمن، صحيح أن هذا قد مر عليه قرابة نصف قرن، ولكن العزيمة والإصرار لا حدود لهما ولا وقت.. فما نيل المطالب بالتمني. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة