في صبيحة يوم عادي وأنا ذاهب للعمل عبر طريق المدينة (النازل) فوجئت بازدحام وشلل غير طبيعي في الطريق، ما هي إلا لحظات حتى توقفت بعدها جميع السيارات في أماكنها، أرخيت عضلاتي المشدودة وحاولت أن أتخلص قليلا من التوتر وسرحت لدقائق معدودة وخيل إلى أنني أحيا في جدة في عام 1445هـ !. كنت وقتها أشرع في الخروج باكرا إلى العمل من المنزل الذي يختلف تماما على المنزل الذي أقطنه حاليا ويقع في أقصى شمال جدة، أبصرت عيني نور الصباح يصطدم بمبنى فائق العلو وكأنني ميزته وهو برج الميل، وبجواره موقف حديث للحافلات ركبت فيه حافلة أوصلتني في دقائق معدودة لمحطة الميترو في مطار الملك عبد العزيز الذي أبهـرني بروعة تصميمه ورونق عمارته ثم أخذني جنوبا لمحطة قطار الحرمين التي يقع عملي بجوارها. في المحطة التي توقفت فيها في المطار شاهدت موظفي «السعودية» تعلو محياهم ابتسامة رائعة تأسر القلوب ويتنافسون ويتسابقون لخدمة عملائهم الذين يفضلونها على «الطيران الخليجي» التي تعمل بجوارهم في نفس المبنى. في رحلتي بالمترو الذي يخترق مدينة جدة جاءني اتصال هاتفي من المجمع الطبي التابع لوزارة الصحة يذكرني بلطف شديد بموعدي اليوم في العيادة ويعطيني بعض النصائح الطبية، كما شاهدت أيضا لوحة إعلانية ضخمة عليها شعار نادي الاتحاد السعودي، ولكن أكثر ما لفت انتباهي هو عبارة كتبت تحت هذا الشعار وهي «شركة مساهمة سعودية». أما مساء ذلك اليوم فكان غير اعتيادي، فبعد أخذي جولة بحرية مع الأسرة بالتاكسي البحري الأنيق خلال الواجهة البحرية، ارتشفت الشاي في مقهى مدهش يطل على جسر أبحر الذي يعد أكبر الجسور المعلقة في العالم، ويمر من تحته المراكب في منظر أخاذ وممتع مسح من ذاكرتي جمال وروعة مضيق البسفور في إسطنبول ومقهى «أوبـا» الشهير على جانبه. هذه الدقائق الجميلة التي عشتها في أحلام اليقظة ما لبثت أن تلاشت مع أول أبواق سمعتها من حافلة البلدة التي خلفي وسائقها الذي يصرخ مناديا المارة محطة (بافيل .. بافيل)، التي أذنت لأحلامي أن تـتوقف وأن تبدأ معاناتي اليومية مع ازدحام شوارع جدة وضعف الخدمات فيها، وتمنيت أن يأتي عام 1445هـ وقد أنجز جل ما شاهدته في هذا الحلم الرائـع وما وعدنا به فعليا من مشاريـع جميلة، وألا يكون كل ذلك مجرد أضغاث أحلام أو مشاريـع وإنجازات تـتحطم عند تعرضها لأي ظروف بيئية صعبة!!.