×
محافظة مكة المكرمة

مدني جدة يسيطر على حريق بعزيز مول دون إصابات

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي لا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن تهن عزائمنا عن إحياء هذا الفقه العظيم الذي فترت عنه الهمم، وارتاب فيه بعضنا، فأرادوا إغلاقه وتضييق مسلكِه سداً لذريعة أن يتخذه بعضهم مطية لتمييع الشريعة والتنصل عن التكاليف! إن لم يتصدر أهلُ العلم الموثوقون لهذا العلم تصدّر له المتعالمون المبتغون لشرع الله مآرب أخرى، بل لا مندوحة عن التفقه في هذا العلم لكل من أراد أن يفتي في دين الله سبحانه، ففقه المقاصد شرطُ كل فقيه مجتهد، وليس معدوداً من نافلة العلم الذي يسع الجهل به، وصدق ابن عاشور - رحمه الله - وكان له كتاب في هذا الفقه العظيم سماه «مقاصد الشريعة الإسلامية» إذ يقول: «كان إهمال المقاصد سبباً في جمود كبير للفقهاء»، (أليس الصبح بقريب ص200)، وقبله قال الشاطبي: «إن زلة العالم أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع» (الموافقات 4/170)، وقال: «من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها - أي الشريعة - على غير وجهها» (الاعتصام 2/175)، بل عدّ الجهل بمقاصد الشريعة سبباً من أسباب الابتداع في الدين (الاعتصام 2/182). لو علم هؤلاء المتخوّفون من إحياء فقه المقاصد وبخاصة في دراسة أحكام النوازل أن في الإحياء ضمانة لوسطية الشريعة وصلاحِها لكل زمان ومكان وأنها عاملة في تحقيق المصلحة ودرء المفسدة لكانوا أكثر الناس استباقاً لإحيائه ودعوة وتحاكماً إليه، فمن إحياء فقه المقاصد قرر العلماء قاعدة سد الذرائع، وإنما أصلُ إعمالها فقه المقاصد، ومثله تحريم الحيل التي يُتوصل بها إلى المحرم وهي في ظاهرها موافقة للمباح، فإنما حرمت باعتبار مقاصدها، وإنما أباحها من أباحها بسبب جموده على ظواهر النصوص. وهنا يُلحظ كيف أن فقه المقاصد يمنع من تمييع الشريعة والتلاعب بأحكامها، والذين يريدون أن يترخصوا بفقه المقاصد سيفاجئهم أن هذا الفقه الذي قصدوا الترخص به سدَّ في وجوههم كل ترخّص لا تقرّه قواعد الشريعة. كما أنها من وجه آخر تقطع الطريق على الغلو والتشدد المذموم، فجاءت برخص تدفع المشقة وتقصد التيسير على الناس بضوابطه الشرعية المقررة، وقواعد أخرى أصولية وفقهية تمهد لطريق الوسط، تردّ إليه الجافي والغالي. حين يتداعى المعاصرون إلى إحياء فقه المقاصد فهم لا يعنون بذلك أن تُستنبط له القواعد وتضبط له شروطه وقيوده، وتُذكر له شواهده الشرعية، ويؤصل له كما يؤصّل لكل علم حديث، فهذا أمر قضي، فسبق إلى ذلك علماء السلف في القرون الثلاثة المفضلة، ثم تتابع العلماء في التأليف في ذلك بما يزيد المسألة ظهوراً ووضوحاً، وليس المعنيُّ هو هذا حين ندعوا إلى إحياء فقه المقاصد، وإنما معنى إحيائه في هذا العصر هو أن يكون له حضوره في اجتهاد الباحث، يستحضره كما يستحضر نصوص الشرع ودلالاتها، وأن يدرك المفتي قبل أن يفتي في أية نازلة أن روح المقاصد من رُوح الشريعة، ومثله - أيضاً - القاضي يجتهد في أقضيته أن تكون أقربَ لمقاصد الشرع، فلا يغني استحضار النصوص مجردة عن هذه الروح التي لا حياة للشريعة ولا للفقه من دونها، وكذلك المؤلف في الفقه والأحكام عليه أن يراعي إبراز هذا الفقه للقارئ من خلال الشواهد المعاصرة، وتأصيلات الفقهاء في هذا الباب قديماً، متحرراً من الجمود عن ظواهر نصوصها، ولا يسوغ أن يستشفع لهذه الظاهرية بتشدّد يقصده ليسدَّ به ما نقصه من علم المقاصد، أو بترخّص يسترضي به طالب فتوى، أو صاحب هوى. بقي أن يقال: إن معرفة الرجل بفقه المقاصد وسعيَه في إعمالها لا يمكن أن يحقق المقصود منه ما لم يكن لديه ما يؤهله من دراية بطرق الاستنباط من النصوص، ومعرفة دلالة الألفاظ، والجمع بين الأدلة، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، ومصطلحات الفقهاء... إلى غير ذلك من أدوات الاجتهاد.       * أكاديمي في الشريعة.   samialmajed@