ترجل، أمس الأول، الشيخ راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم، فارس الفرسان أو بطل أسياد الفروسية، إثر تعرضه لأزمة قلبية حادة أودت بحياته، عن عمرٍ ناهز الرابعة والثلاثين. والواقع أنّ الفارس الشاب الراحل خلّف وراءه تُراثاً عائلياً واقتصادياً ورياضياً وإنسانياً سيجعل اسمه، كما تمنى، يعيش من بعده، على الرغم من مفارقته دنيانا. فوالده المكلوم، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يُكنّى باسمه. ولو ترى هذا الشيخ الجليل إذ يُصلي على نجله الأكبر ويقف على قبره، لتذكرت قول فيلسوف المعرة، إنّ حزناً في ساعة الموت أضعاف سرورٍ في ساعة الميلاد. أطال الله عمرك بوراشد، وألهمك الصبر الجميل، وعزاؤك وعزاؤنا أنّ فقيد الوطن جاور ربه وشتان بين جواره وجواري. ولن يفتأ أشقاؤه وشقيقاته، الذّين تربّواْ في مدرسة محمد بن راشد على القيم العربية والإسلامية الأصيلة، على البر بذكرى أخيهم. ولا تزال دموع سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وهو يبكي فراق شقيقه الأكبر بكاءً حاراً تُذكر بهذا البر، وستظل محفورة في ذاكرة الشعب الإماراتي بل والشعب العربي كله. أما الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد، نائب حاكم دبي والنائب الأول لرئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، فقد كان الحزن يطوّقه من كل جانب، وهو يحمل نعش شقيقه في موكبٍ جنائزي مهيب، حضره صاحب السمو محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والحكام وأولياء العهود. كما أنّ ما أسهم به الفارس الشاب الراحل في تنمية دبي والإمارات سيجعل اسمه يعيش مثل ما تمنى. فقد قاد الشيخ راشد ردحاً من عمره القصير بمعيار السنين والأيام الطويل بمعيار الإنجازات والمشروعات التنموية لعددٍ من المؤسسات الاقتصادية الرائدة في دبي، وأهمها: مجموعة دبي القابضة المتحدة، وشركة زعبيل الدولية للسباق، ومجموعة نور الاستثمارية وبنك نور الإسلامي. بيد أنّ فقيدنا في المجال الرياضي كفيلٌ وحده بأنْ يذكره القوم لأجيال قادمة عديدة ودهورٍ تالية مديدة. فالفارس الذي ترجل كان شخصية رياضية ذات صيتٍ واسع، ليس فقط في الإمارات وإنما في أنحاء العالم. وقد شارك في عدة منافسات دولية ومحلية في سباقات القدرة، وفاز في 159 سباقاً، وحصل على المركز الأول في 25 سباقاً منها. وقد تمثلت أهم إنجازات الشيخ راشد، رحمه الله، في الفوز بميداليتين ذهبيتين في الأولمبياد الآسيوي بالدوحة، أو أسياد الدوحة في العام 2006، في سباق 120 كيلومتراً تحمّل للأفراد والفرق، ومُنح على إثره اللقب الذي سيُذكر به لاحقاً بطل الأسياد أو سيد أسياد الفروسية. وتوج فارسنا الذي غيبه الردى تاريخه الرياضي بترؤسه اللجنة الأولمبية الإماراتية، في الفترة من عام 2008 إلى العام 2010. وقد استحوذ العمل الإنساني على جزءٍ معتبر من حياة الفارس الراحل؛ حيث كان له العديد من المساهمات الخيرية، وحرص على المشاركة في العديد من المبادرات والمشاريع الإنسانية، ولاسيما مبادرة دبي العطاء، التي أسسها والده في سبتمبر 2007، والتي تركز على هدف نبيل، يتمثل في تحسين حصول الأطفال على التعليم الأساسي، وأسهمت في تغيير حياة ملايين الأطفال ومجتمعاتهم في الدول النامية. وارتبط البعد الإنساني في حياة الشيخ راشد بالقيم التي آمن بها، ونشأ عليها، والتي يأتي في مقدمتها الكرم. وقد اكتسب الشيخ راشد هذه القيمة من خلال تنشئته الاجتماعية التي جمعت بين المبادئ السامية للإسلام والقيم القبلية العربية الأصيلة. والخلاصة أنّ اسم فقيد الوطن، راشد بن محمد، سيعيش كما تمنى، وأكثر ما تمنى؛ بفضل أفراد هذه الأسرة النبيلة؛ آل مكتوم، وعميدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وما خلّفه الفارس الراحل من مساهمات في المجالات الاقتصادية والرياضية والإنسانية. فرحمه الله رحمة فضاء لا أفق لها.