×
محافظة المنطقة الشرقية

تقدم للقوات الشرعية بمأرب.. واشتباكات بتعز

صورة الخبر

بعد مرور شهرين على انطلاق الحراك الشعبي اللبناني الذي أحدث صدمة في الوعي الوطني العام كما في بنية الدولة اللبنانية الهشة والمتضعضعة، عمد بعض الإعلاميين التلفزيونيين إلى مراجعة الأهداف التي حققها هذا الحراك والوقائع التي آل إليها، سياسياً واجتماعياً وحياتياً. فهذا الحراك المدني الذي لم يشهد لبنان ما يماثله منذ أعوام، نجح في تصحيح مفهوم التظاهر بعدما أصيب التظاهر بـ «لوثة» الطائفية والمذهبية والحزبية، وأعاد إلى الاعتصام معناه الحقيقي الذي أفقدته إياه سياسة الانقسام الوطني والتحزب الأعمى. ويمكن هنا ومن غير تردد استثناء تظاهرة 14 آذار التاريخية، المعروفة بـ «ثورة الأرز» التي أعلنت سقوط نظام الوصاية السوري وحررت لبنان من الاحتلال البعثي الجائر. لكنّ الحراك الوطني، العفوي والسليم واللاطائفي، لم يترك أثره فقط في الحياة السياسية بل تعداها إلى قطاع الإعلام اللبناني ولا سيما المرئي- المسموع. ويمكن القول إنه أحدث ما يشبه «الحراك» الإعلامي الذي نادراً ما عرفته وسائل الإعلام المرئية- المسموعة. بل لعله أصاب الإعلاميين، من أصحاب محطات ومديرين ومذيعين ومحررين بحال من يقظة الضمير. لقد ذكّر هذا الحراك وسائل الإعلام والإعلاميين بأن هناك شريحة مهمة، محذوفة ومهمشة، قليلاً ما تتذكرها البرامج وتزورها الكاميرات وتتيح لها مجال التعبير عن همومها وشجونها. لقد تذكر الإعلاميون أنهم قصّروا كثيراً في حق هؤلاء المواطنين المأزومين والمسحوقين وتجاهلوهم عموماً، وما كانوا يذكرونهم إلا عندما يكونون مادة لسبق إعلامي أو «سكوب» يجذب الجمهور ويزيد من شعبية المحطة. حتى البرامج التي تعنى بقضايا الناس والمواطنين، لم تكن تعيرهم كبير اهتمام، بينما بعضها يعرف حالاً من «التواطؤ» كما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو في كتابه الشهير «عن التلفزيون»، ويقصد التواطؤ بين رجال السياسة وبين الإعلاميين التلفزيونيين وهو يؤدي إلى استفادة مشتركة، هؤلاء عبر ظهورهم إعلامياً وتبييض صفحاتهم ووجوههم وأولئك عبر ما يغدق عليهم من مال سياسي. وعبارة «المال السياسي» باتت مقولة رائجة في الإعلام العالمي الذي بات يسيطر عليه مفهوم السوق. أحدث الحراك الشعبي صدمة في الإعلام المرئي- المسموع في لبنان. نزلت الكاميرات والمذيعات والمذيعون إلى الشارع وأقاموا فيه ولم يغادروه حتى مغادرة آخر متظاهر. عاشت وسائل الإعلام تلك اللحظات التاريخية وكأنها لحظاتها، وشاركت فيها وتحمل المذيعون والمصورون ما تحمل المتظاهرون أنفسهم من تبعات المواجهات، العنيفة أحياناً، ومن ضرب ورفس وتدافع وفتح خراطيم الماء ورمي القنابل الدخانية... بدت «المعركة» كأنها معركتهم وخاضوها بحماسة وكانوا بمعظمهم عادلين في تغطيتهم، وموضوعيين على رغم انحيازهم إلى الشارع. وقد أصيب منهم من أصيب، ويذكر المشاهدون كيف أطلقت المذيعة ندى إندراوس صرخة قوية عندما سقطت قربها قنبلة دخانية كادت تؤذيها واختفت على أثرها لساعات. وأتاح النقل المباشر والحي للتظاهرات والمواجهات فرصة للجمهور الجالس أمام الشاشات كي يعيش الوقائع وكأنه يشارك فيها. ولعل الجمهور التلفزيوني تمكن من رصد تفاصيل المشهد الحراكي بكاملها عبر الكاميرات التي انتشرت في كل الزوايا. وعلى رغم التسابق الذي شهدته المحطات في تغطية الحدث، تقاعست بضع محطات عن تغطية الحراك في حينه ومنها محطة «أن بي أن» و «المنار» و «اوتي في»... ورد بعضها على النقد الذي وجه إليها مبرراً هذا التقاعس على طريقته. ثم راحت هذه المحطات تغطي الحراك ولكن في شكل عادي وغير حماسي، أي بصفته واجباً. بل إن بعض الشاشات عمل على تفسير الحراك بحسب خلفياته السياسية، وجاء تصريح الجنرال ميشال عون عن سرقة الحراك شعاراته ليخفف من تغطية الـ «او تي في» التظاهرات لاحقاً. أما اللافت إعلامياً فهو نصب الخيم التلفزيونية في قلب المعترك ولا سيما في ساحة البرج لتكون أشبه بـ «استوديوات» حية في الهواء الطلق ترافق الحدث عن كثب ومن قرب. وما يجب الاعتراف به أن محطة «ال بي سي» كانت سباقة في هذه البادرة وركزت عليها وأولتها اهتماماً واضحاً، وتبعتها محطة «الجديد» ولكن في شكل جزئي وبسيط. ومحطة «ال بي سي» أصلاً انتبهت إلى أهمية الحراك وإلى الآثار التي ستنجم عنه وقررت كما قيل، الانفتاح الشامل على إيقاع الشارع من قلب الشارع نفسه والتزام الحراك بقوة، وقيل أيضاً إن إدارتها استعانت بأحد الإعلاميين البارعين في هذا الحقل وأسندت إليه مهمة الإشراف على التغطية الشاملة. ونجحت مذيعات هذه المحطة، لا سيما المذيعة ديما صادق التي يمكن وصفها بـ «نجمة» هذه التجربة الفريدة، في جعل هذه الخيم- الستوديوات موئلاً لتحليل أبعاد الحراك مباشرة مع رواده و «أبطاله» ومناقشة المعطيات المستجدة في ساعتها. وتحدت المذيعات والمذيعون موجة الحر الخانق وعاصفة الغبار وصمدوا مع ضيوفهم وهمهم مواكبة الحدث الشعبي الكبير. وليس من المبالغة مديح المذيعة ديما صادق، فهي لمعت فعلاً في حواراتها الذكية والحاذقة مع ضيوفها الذين اختارتهم من كل أطياف الحراك، وهم في الغالب وجوه جديدة تعرّف الجمهور إليها للمرة الاولى، ما عدا بضعة قليلة منها. وبدت الحوارات جريئة جداً ومكشوفة وتمت خلالها تسمية الأشياء بأسمائها وجرى عرض بعض الوقائع الفضائحية بجرأة تامة. لكنّ الاستوديوات الداخلية لم تغب عن الحراك أيضاً، وقد عمد المذيعون والمذيعات في معظم التلفزيونات إلى استضافة الوجوه الجديدة وسواها حتى بدت هذه الشاشات كأنها خليات نحل. والأهم أن الوجوه السياسية التقليدية وبعضها ينتمي إلى شريحة «الفاسدين» غابت بمعظمها، مما جعل الجمهور يرتاح من مزاعمها وأكاذيبها ومن تواطؤ الإعلاميين معها. وقد تخطى بعض هذه اللقاءات «التواطؤية» حده أحياناً، حتى كاد بعض الإعلاميين يفرش السجاد الأحمر لضيوفه الشديدي العنجهية والسخاء ممعناً في تبييض وجوههم وآثامهم. أحدث الحراك الشعبي «صدمة» في الإعلام المرئي- المسموع تشابه الصدمة التي أحدثها في الوعي الشعبي. وإزاء هذه الصدمة الإعلامية، اكتشف الجمهور أن أكاذيب كثيرة فاتته ولم يكتشفها إلا متأخراً. فالفساد الذي يعتري جسد الدولة اللبنانية يعتري أيضاً جسد الإعلام. لكنّ السؤال هو: هل يفيد الإعلام لاحقاً من الحراك ويكتسب منه أمثولة حقيقية أم أن اليقظة ستكون عابرة؟