عُرف مشعر مزدلفة بروحانيته وأجوائه الإيمانية عندما يكتسي باللون الأبيض بعد غروب شمس يوم عرفة، إذ يستقبل في ذلك الوقت ملايين المسلمين الذي ينفرون إليه من صعيد عرفات لاستكمال أداء فريضة الحج، ضيوف الرحمن يقضون ليلتهم في مزدلفة وهم يذكرون الله ويهللون ويكبرون، وعلى الرغم من صغر مساحة مزدلفة إلا أن قدرة الله فوق كل شيء، فالمنطقة الصغيرة لديها قدرة عجيبة لاحتضان أكثر من أربعة ملايين حاج في آن واحد، لكن الظاهرة التي تشكل أزمة حقيقية هي الإفتراش الذي يعيق سير المشاة والمركبات. التسمية قال ابن منظور: "المزدلفة موضع بمكة، قيل سميت بذلك لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات، وهي ثالث المشاعر المقدسة التي يمر بها الحجيج في رحلتهم الإيمانية لأداء مناسك الحج حيث تقع بين مشعري منى وعرفات، ويبيت الحجاج بها بعد نفرتهم من عرفات ثم يؤدون فيها صلاتي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ويجمعون فيها الحصى لرمي الجمرات بمنى، ويمكثون فيها حتى صباح اليوم التالي (يوم عيد الأضحى) ليفيضوا بعد ذلك إلى منى، ويعتبر المبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم، والمستحب الاقتداء برسول الله في المبيت إلى أن يُصبح، ثم يقف حتى يسفر، ولا بأس بتقديم الضعفاء والنساء، ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس. واختلفت الروايات حول سبب تسميتها بهذا الاسم، إذ قيل بأنها سميت هكذا لمزدلف الناس عنها، وأنهم لا يقيمون بها يوماً كاملاً، قيل الازدلاف هو الاقتراب لأنها مقربة من الله، وقيل لازدلاف الناس في مِنى بعد الإفاضة، وقيل لاجتماع الناس بها، وقيل لازدلاف آدم وحوَاء بها، أي لاجتماعهما، وقيل لنزول الناس بها في زلف الليل، وهو جمع أيضا، وقيل الزلفة القربة، فسمّيت مزدلفة لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم، ومزدلفة المشعر الحرام ومصلى الإمام يصلي فيه العشاءَ والمغرب والصبح، وقيل لأن الناس يدفعون منها زلفةً واحدة، أي جميعًا، قال ابن حجر: وسمّيت المزدلفة إمّا لاجتماع النّاس بها، أو لاقترابهم إلى منًى، أو لازدلاف النّاس منها جميعًا، أو للنّزول بها في كلّ زلفة من اللّيل، أو لأنّها منزلة وقربة إلى اللّه، أو لازدلاف آدم إلى حوّاء بها. الموقع مزدلفة التي تقدر مساحتها بأكثر من 13 كم2، يحدها من الغرب منى ضفة وادي مُحَسِر الشرقية وهو واد صغير يمر بين منى ومزدلفة، وهو ما يمر فيه الحاج على الطريق بين منى ومزدلفة، فيكون الوادي فاصلاً بينها وبين منى، ويحدها من الشرق ما يلي عرفات مفيض المأزمين وهما جبلان بينهما طريق تؤدي إلي عرفات، بينما يحدها من الشمال الجبل وهو ثبير النصع، ويقال له أيضا جبل مزدلفة. وشكلت الدولة لجان عدة لتحديد وإنشاء أعلام لحدود مزدلفة، وتوصلت إلى أن حدّ مزدلفة مما يلي منى هو ضفة وادي محسر الشرقية، ليكون الوادي المذكور فاصلاً بينها وبين منى، فإذا وصل الوادي المذكور إلى جبل منى الجنوبي وتغير اتجاهه من الجنوب إلى الشرق جاعلاً الجبل المذكور يمينه ومزدلفة يساره، ثم فاض مع سفح الجبل المسمى (دقم الوبر) حيث يعتدل اتجاهه إلى الجنوب – كما كان – فظهر أن ضفة الوادي الشمالية هي حد مزدلفة من هذه الجهة، كما ظهر أن حد مزدلفة مما يلي عرفات هو مفيض المأزمين مما يليها – يلي مزدلفة – كما أن حدَّها من طريق ضب ما يسامت مفيض المأزمين، أما حدّ مزدلفة العرضي فما بين هذين الجبلين الكبيرين هو مزدلفة، وظهر للجان أن ما بين حدي مزدلفة طولاً وما بين حديها عرضًا من الشعاب والهضاب والقلاع والروابي ووجوه الجبال كلها تابعة لمشعر مزدلفة، وداخل في حدودها. المشعر الحرام وفي مزدلفة مكان يسمى "المشعر الحرام" قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة، وقيل المشعر الحرام ما بين جبلي المزدلفة إلى مازمي عرفة إلى وادي محسر، وليس المازمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام، والصحيح أنه الجبل لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر بالمزدلفة ركب ناقته حتى أتي المشعر الحرام، فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر، وقوله عند المشعر الحرام معناه مما يلي المشعر الحرام قريباً به، وذلك للفضل، كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، وجعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر، ومتصلة به عند المشعر، والمشعر الحرام هو المكان الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهنالك أقوال لبعض العلماء أن مزدلفة كلها تسمى المشعر الحرام، وورد ذكر هذا المكان في القرآن الكريم وبالتحديد في سورة البقر، قال تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين". ومن أشهر معالم مزدلفة مسجد المشعر الحرام، الذي يقع في منتصف المسافة الواقعة بين مسجد نمرة في عرفات ومسجد الخيف في منى، لكون مزدلفة واقعة بين عرفات في شرقها ومنى في غربها، وهو المسجد الذي نزل النبي عند قبلته في حجة الوداع، وكان المسجد في بداية القرن الثالث الهجري مربع الشكل صغير المساحة بسيط البناء، ولم يكن مسقوفاً، وكانت مداخله ستة أبواب. وفي العهد السعودي تمت عمارته وتوسعته عام ه وبلغت مساحته م، بطاقة استيعابية تتسع ل ألف مصل، ويضم منارتين بارتفاع م، وله ثلاثة مداخل في كل من الجهة الشرقية والشمالية والجنوبية. وحظي مسجد المشعر الحرام باهتمام كبير من الدولة إذ تمت اعادة عمارته واصبحت مساحته الاجمالية بعد التوسعة تقدر ب6000م، ومتوسط جدرانه ثمانية امتار مبنية من الاجور وزين من الخارج بحجارة مصقولة، ويتكون سقف المسجد من اعمدة عدة يبلغ قطر كل عمود مترين، وزين بثمانية اعمدة صغيرة الصقت به ارتفاع كل منها ثلاثة امتار، ويشتمل على ستة مناور موزعة بطول سقف المسجد عرض كل نافذة متر ونصف، وارتفاعها متران مزدانة من الخارج باطر معدنية توحي باشكال هندسية وتعلوها نوافذ اخرى اصغر حجما يبلغ عددها نافذة مزخرفة بمادة البلاستروك، كما زينت جدران المسجد من الاعلى بشرفات في اشكال هندسية يبلغ عددها ، وللمسجد ثلاثة ابواب من الخشب يوجد بكل باب ثلاثة عقود ويبلغ ارتفاع محراب المسجد اربعة امتار مزين بزخارف جصية كما ان للمسجد مئذنتين قاعدة كل مئذنة م وارتفاع كل مئذنة يبلغ م. مشروعات ضخمة ولم تبخل حكومتنا الرشيدة على مشعر مزدلفة إذ انفقت المليارات من أجل تهيئته للحجاج من خلال مشروعات تطويرية ضخمة، وتسخير كل سبل الراحة، ومن بين أبرز المشاريع توسعة المشعر الحرام، وتهيئة ساحات المبيت في مزدلفة للحجاج وتزويدها بكل ما هو مطلوب من الخدمات والمرافق الطبية والصحية والمياه النقية والطرق والإنارة ودورات المياه والاتصالات والتغذية والمراكز الإرشادية والأمنية وتنظيم أماكن المبيت فيه لتسهيل حركة المرور، بالإضافة إلى مشروع انشاء عبارات لتصريف السيول والامطار بمشعر مزدلفة، وتوفر الجهات المسؤولة للحجاج "الحصى" من أجل استخدامه في رمي الجمرات، ولعل المشروع الأبرز في الأعوام الأخيرة هو قطار المشاعر الذي سيسهل عملية وصول الحجاج إلى مزدلفة خلال نفرتهم من عرفات، إضافة إلى دوره الكبير بعد مبيتهم في مزدلفة وانتقالهم صباح اليوم العاشر إلى مشعر منى، ومن بين المشاريع الأخيرة إعادة تأهيل استراحات الحجاج في مزدلفة وتركيب أبراج إنارة بارتفاع 35 م ومشروع تركيب أعمدة إنارة بارتفاع 26 م.