من يتابع التصعيد الصهيوني الإجرامي في المسجد الأقصى والقدس عموماً وحتى في الضفة الغربية وكل أنحاء فلسطين المحتلة، سرعان ما يكتشف أن هذا التصعيد يأتي في إطار خطة منهجية بدأت بتنفيذها حكومة اليمين والتطرف الصهيوني، في محاولة لحسم معركة المدينة المقدسة مبكراً، وبمعزل عن أي تسويات محتملة، أو ضغوط دولية، ليس فقط من خلال فرض الأمر الواقع وتقسيم الحرم القدسي زمانياً ومكانياً، وإنما السيطرة على المسجد الأقصى والقدس بالكامل وتهويدهما رغماً عن الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي. فهذا التصعيد، ليس معزولاً، في الواقع، عما يجري في الجوار الإقليمي والمنطقة عموماً والساحة الدولية، حيث بات من الواضح، سعي الكيان الصهيوني الحثيث لاستغلال الفوضى الناجمة عن الأحداث الدائرة في المنطقة، وحالة الانقسام الفلسطيني والضعف والارتباك والتشرذم العربي، وانشغال العرب بقضاياهم الداخلية، للاستفراد بالقضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها، أو على الأقل، تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف الصهيونية بأقل قدر من الخسائر، بما في ذلك إمكانية المقايضة، أي وقف هذه الهجمة مؤقتاً مقابل سحب الشكاوى ووقف التحرك الفلسطيني في الساحة الدولية، ومن دون أن يكون هناك أي تأثير ذي مغزى لرد الفعل الدولي ضد الكيان. وقد مهدت سلطات الاحتلال لهذه الهجمة البربرية بإطلاق يد سوائب المستوطنين في طول الأرض المحتلة وعرضها، وتم إحراق عائلة الدوابشة، وتنفيذ عشرات الاعتداءات الهمجية لإرهاب الفلسطينيين في الضفة، فيما استعدت حكومة الاحتلال لمواجهة الغضب الفلسطيني بالمزيد من القرارات والقوانين العنصرية، خصوصاً ضد الشباب المقدسيين، ومنها إطلاق الرصاص الحي على المرابطين والمدافعين عن المسجد الأقصى، وتغليظ عقوبة السجن بحقهم، وقنص راشقي الحجارة، وفرض غرامات مالية باهظة على أهالي الأطفال منهم، ما جعل القدس والأقصى في عين العاصفة. والحقيقة، أنهما كانا دوماً في عين العاصفة، ولكن منسوب الاعتداءات الصهيونية واقتحامات المسجد الأقصى وتدنيس الأماكن الدينية وعمليات التهجير والتهويد وهدم المنازل كان يرتفع تدريجياً منذ بدء الاحتلال عام 1967، وإحراق المسجد عام 1969، آخذاً في الاعتبار حساسية هذه الأماكن والظروف الإقليمية والدولية، وصولاً إلى اللحظة الراهنة حيث بدأت هذه الظروف تنداح بفعل التطورات والمتغيرات الجارية في المنطقة والعالم. وبات من الواضح أن نتنياهو وحكومته ومستوطنيه يريدون من فتح معركة القدس والأقصى إشعال الحرائق في كل المنطقة، عبر اختبار ردود الفعل العربية والإسلامية، التي جاءت خجولة ولم ترتق أبداً لحجم الأخطار والتهديدات الصهيونية، ما يغري الاحتلال بمواصلة تنفيذ مخططاته، في ظل انقسام فلسطيني وعجز عربي وصمت دولي. لكن الاحتلال وحكومته نسيا أن اقتحام شارون للأقصى إبان حملته الانتخابية عام 2000 تسبب في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ونسيا أنه مهما بلغ العجز العربي، فإن القدس ومقدساتها الدينية، ستظل خطاً أحمر بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، ومصدر إلهام لتوحيدهم في مواجهة الغزوة الصهيونية مهما كانت الظروف، فيما يبقى الانقسام والمناكفات الفلسطينية عنواناً محزناً بل مخزياً في مسار النضال الوطني، لكنه مع ذلك، لن يحول دون انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي بدأت كل مؤشراتها تتجمع في الأفق، رغم التنسيق الأمني. younis898@yahoo.com