×
محافظة الرياض

«العناية بالمسجد فنياً» مرحلة جديدة للعناية ببيوت الله

صورة الخبر

ماذا يعني أن يكون الإنسان فناناً أو شاعراً أو ناقداً أو كاتباً؟ إنها حرفة التعساء والبائسين، بل والأغبياء! ما معنى أن تكون أديباً؟ الحقيقة هي أن تكون مهرجاً!! ما الفرق بين الأديب والمهرج والبهلوان؟ كلها في النهاية هرج في هرج! حقاً، ماذا تعني كلمة أدب أمام لغة هؤلاء العتاة؟ نهض كبير المدعوين فتتابع الآخرون في القيام عن المائدة.. أراحه ذلك كثيراً، وشعر بنسمة تسري في داخله، تقاطروا إلى المغاسل، ووقف الداعي يحييهم وهم يشكرونه، ثم يمضون إلى بهو واسع، أما هو فقد وقف أمام الداعي شاكراً ثملاً بلحظة الفرار، طالباً السماح له بالانصراف، ولكن الوجيه ردد وهو يأخذه بيده: لا يمكن.. لا يمكن.. وتبع مضيفه إلى البهو الفخم في إذعان قهري وهو شبه مخدر، تحلّق المدعون على الأرض في الفناء الواسع، حيث الزرابي مبثوثة، يتكئ الجالسون عليها متى شاءوا، وحيطان البهو مزينة بلوحات راقية لكبار الفنانين، وفي كل واجهة من واجهات البهو السداسية تليفزيون خضم جداً لم يُر مثيلاً له من قبل، قائم على منصة مرصوصة أدراجها بأشرطة الفيديو، وقد فُرشت أرضية البهو بالسجاد الشيرازي والصيني الرفيع، تقوم على إحدى الواجهات مكتبة، كل الكتب التي تزدان بها مجلدة، تلوح ألوانها المرتبة وعناوينها المذهبة فتملأ العين رهبة..! جلس شبه منفرد وقد توزع الضيوف يلعبون الورق، وراح ينظر، وينصت:.. إلعب.. عشرة.. صن.. بس.. سرا.. تتعالى ضحكات واحتجاجات.. وشتائم! في الدائرة الأخرى أصوات شبيهة.. وكان أحدهم يقول: هل سمعتم آخر نكته؟ ها ها ها ها ها.. وتختلط الضحكات، يتناهى إلى سمعه صوت من ضيف آخر: مائة مليون فقط، يرد الآخر: لا، مئة وعشرون.. لا، لا، هذا كثير.. ويصيح البقية: معقول.. معقول، يرد: طيب، طيب.. يا جماعة موافق. وينبعث صوت آخر: الوظيفة «يا أبو عادل» اللي وعدناها الرجال؟ - أبشر! خليه يمر على مدير المكتب صباحاً.. ونم.. انس... تعيش والله «يا أبو عادل». ويأتيه صوت من جهة أخرى: «جنيف».. لا «كان» أحسن... لا «كان» ولا «جنيف».. ساندياجو... ضجة: يا سلام. مجموعة أخرى تحلقت حول التلفزيون تتابع برنامج مسابقات، وكان أحد الأسئلة.. من الشاعر الذي يقول: لما رأيتُ الجهل في الناس متفشياً تجاهلت حتى ظن أني جاهل التفت إليه أحد الضيوف وقال: مَنْ صاحب هذا البيت؟! فرد هو أولاً: بيت القصيدة ليس هكدا، لقد أخطأ المذيع.. فالبيت يقول: ولما رأيتُ الجهل في الناس فاشياً تجاهلتُ حتى ظُنَّ أني جاهلُ وقائل البيت هو المعري. التفت أحدهم وقال: وهل أنت أدرى من المذيع يا أستاذ؟ وآثر أن يظل صامتاً فلا يرد. في نهاية السؤال أعلن المذيع أن البيت للمتنبي!! نظر إليه أحد المتابعين وقال: البيت للمتنبي يا أستاذ.. أم أن المذيع أخطأ أيضاً؟ لم يرد هذه المرة أيضاً ولكنه شعر بألم عميق ووقاحة جائرة! راح يحدق في الأشياء والوجوه في ذهول، وكأنه مفصول عن العالم. لا يمكن أن يكون مكانه بين هؤلاء القوم، لقد وُجد بينهم خطأ. راح يكلم نفسه: ما هذا؟ أيمكن أن يتحول الإنسان إلى كتلة من الدهشة والذهول والارتباك الذهني إلى هذه الدرجة. ما هذا العالم؟ وما هذه الناس؟ بل وما هذه الحياة؟ تُولد من رحم الأقدار أشياء تثير الدهشة والعجب، وتنبت من أعماق البحار ألوان من الطحالب والنباتات التي لا تخطر على بال من لا يراها، وتظهر في ثنايا الكتب حكايات وقصص لا تُصدق.. ولكنها مطلقاً لا تشبه هذا المناخ الذي أنا فيه. اعترته سطوة جبارة من الحيرة، أخذت تدوخه وتحول كل الأضواء والأشياء أمام عينيه إلى لون صفراوي باهت.. إلى مناخ ملوث قميء، تشع منه رائحة قاتمة ولئيمة، مرت لحظات كالدهور أو كالحلم الشيطاني ولم يتنبه إلى نفسه إلا بعد أن انفض الجمع، وأخذوا يودعون مضيفهم أمام بوابة القصر. يتبع