ردود الفعل المرتبكة والمذعورة من قبل الدول الأوروبية المختلفة تجاه أزمة اللاجئين السوريين يعيد إلى الأذهان صورة دجاجة بلا رأس تدور في جميع الاتجاهات. خلال إجازتي في أوروبا هذا الصيف صدمت من كون التغطية الإعلامية لهذه الأزمة تتسم بكثير من العدائية والعنصرية، لكن في كثير من الأحيان كان هناك كثير قدرة على التمييز بين السوريين الفارين من أهوال لا يمكن تصورها. والمهاجرين لأسباب اقتصادرية مع دوافع وتطلعات مختلفة تماما. لكن إيلان كردي، الطفل السوري الغريق على شاطئ بدروم التركية، جذب الرأي العام الأوروبي في اتجاه مختلف تماما، - كما لو أنها المرة الأولى التي يعي فيها الكثيرون أن هناك أطفالا سوريين يموتون حقا!. أزاء ذلك أعرب عدد قليل من القادة الأوروبيين عن استعدادات متفاوتة لاستضافة بضع مئات إضافية من اللاجئين السوريين، فيما نجد دولة صغيرة مثل لبنان فتحت حدودها لأكثر من مليون لاجئ سوري، بل وورطت نفسها في توترات الصراع السوري، وكذلك فعلت دول الجوار الأخرى مثل تركيا والأردن اللتين تتحملان عبئا إنسانيا هائلا في استضافة عدة ملايين من السوريين الذين فروا من الصراع الدائر في بلدانهم منذ قرابة الخمس سنوات. كانت هناك محاولات لتوجيه أصابع الاتهام إلى دول الخليج العربي، كما لو أن أزمة أوروبا تجاه اللاجئين السوريين هي نتيجة فشل دول مجلس التعاون الخليجي في استضافتهم، فيما نجد أن المملكة العربية السعودية وحدها قد استوعبت بهدوء ما يقدر بـ 2.5 مليون سوري، ومثلهم من اليمنيين أيضا، وهذا مشهد نجده في دول الخليج العربي الأخرى التي تستضيف اليوم أعدادا كبيرة من المواطنين السوريين. والأجدر هنا طرح السؤال التالي: لماذا تستمر إيران وروسيا في مفاقمة أزمة اللاجئين عبر تصعيدهما حملات مد النظام السوري بالأسلحة والميليشيات التي تتسبب بنزوح ولجوء الملايين من سكان المدن والقرى؟!، والسؤال الأكثر إلحاحا: لماذا ينتشر اللاجئون السوريون في أصقاع الأرض، ووصل بعضهم إلى استراليا وهندوراس عبر قوارب الموت، فيما لم تستضف هاتان الدولتان لاجئا سوريا واحدا؟! مجرد لاجئ سوري واحد!. على مدى أكثر من اربع سنوات مضت أغمضت الدول الغربية عيونها عن الأزمة في سوريا بشكل شبه كامل، وتمنت في قرارة نفسها أن ينتهي الصراع في سوريا من تلقاء نفسه، أو أن تبقى في منأى منه على الأقل، لكن التطورات أظهرت كم هو صعب حدوث ذلك، فيما بقي الدبلوماسيون الغربيون على الدوام متمترسين حول مقترحات هزيلة لحل الأزمة بذريعة أنه لا جدوى من التورط فيها أكثر لأن السوريين لا يريدون التدخل الخارجي من جهة، كما ان بشار الأسد سيسقط من تلقاء نفسه قريبا جدا وآل الأسد لن يستمروا في السطلة لأكثر من ستة أشهر قادمة. عندما ظهرت سذاجة تلك التصريحات، كان هناك جهود متواضعة لإطلاق عملية سلام في سوريا. وجرى تقديم دعم للمقاتلين السوريين للحفاظ على توازن الرعب فقط، ولكن ليس بما فيه الكفاية بالنسبة لهم ليكونوا قوة موحدة متماسكة دائما، وعندما فشلت كل المناورات الدبلوماسية كان من السهل جدا إلقاء اللوم على روسيا، والتي فتحت مخازن أسلحتها أمام بشار الأسد، كما جرى منح ايران مطلق الحرية في تقديم الأسلحة والمليشيا والدعم المالي لحملة الأسد على شعبه ومجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها. يمكن الخوض في تفاصيل هذا الموضوع أكثر، ولكن من الواضح أن جزءا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الذي نحن فيه اليوم هو نتيجة لفشل الدبلوماسية الجماعي في السيطرة على الصراع السوري، ربما كان الأمر يتطلب دورا أكثر حزما في إقامة ملاذات آمنة في سوريا وتضييق قنوات دعم الأسد في المراحل الأولى من الصراع، للحيلولة دون الوصول إلى حالة الفوضى التي سمحت بظهور ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام. رغم كل ذلك، نحن لم نصل بعد إلى ذروة الأزمة، فهي مرشحة للتفاقم أكثر مع إعلان منظمات إنسانية أن أكثر من مليون سوري إضافي قد يفرون خلال الأشهر المقبلة. لقد كان دور الولايات المتحدة الأمريكية في الأزمة السورية خجولا وصادما لكثير من المراقبين حول العالم، كان كمن يعالج جرحا غائرا بوضع الجبس عليه، حتى انها أعلنت صراحة فشلها في تدريب حفنة من المقاتلين السوريين، بعد أن جرى اعتقال بعضهم من قبل بعض المجموعات الإسلامية المقاتلة، فيما تاه بعضهم الآخر في الصحراء!. لقد أبدت دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مستمر احباطها من النهج الغربي الضعيف والمتردد في سوريا، والآن هذا هو الوقت للمجتمع الدولي لإعادة التفكير بشجاعة تجاه الأزمة السورية. ليس مع مؤتمرات السلام الدولية التي أثبتت فشلها، ولكن مع اتباع نهج متعدد الأوجه يفرض حدا للقتال، ويوفر السلامة والإغاثة للمواطنين السوريين، ويساعد على وضع خطة لمستقبل مستقر وديمقراطي لسوريا.