×
محافظة المنطقة الشرقية

أصحاب الأداء المُبهر في صناعة المؤثرات الصوتية

صورة الخبر

تأكد مؤخراً ما سبق أن نشره نشطاء سوريون عن تدخل روسي مباشر داعم لقوات النظام. وزارة الخارجية الروسية اعترفت بجزء من الحقيقة، والتعبير عن القلق الأميركي الأطلسي من التحركات الروسية اعترف بجزء آخر، بينما الحقيقة الكاملة يتعين بعضها على الأرض، وستجلي الأيام المقبلة أبعادها. أخبار النشطاء عن تورط روسي في بعض المعارك كان يُنظر إليها كنوع من البروباغندا الإعلامية، لكن المرجح في المرحلة المقبلة انكشاف المزيد من الأخبار، وأن تبدأ الماكينة العسكرية الروسية مشروع تعويم الأسد سنداً لنجاح جزئي حققته الماكينة الديبلوماسية. كان لافروف قد نوه بقبول الشركاء الغربيين مبدأ مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، وبأن الخلاف المتبقي هو على أحقيته بالمشاركة في ما بعدها، ما أكده مؤخراً وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند. هو هاموند نفسه الذي وقّع برفقة وزير الخارجية الفرنسي على مقال، نُشر في «الحياة» نهايةَ شباط (فبراير) الماضي، يرفضان فيه أن يكون الأسد مشاركاً في حكومة انتقالية سورية. منذ ذلك التاريخ سار المزاج الغربي عكس التطورات الميدانية، فقوات الأسد مدعومة بالحلفاء خسرت المزيد من المواقع، وفشلت في استرجاع مناطق صغيرة كمدينة الزبداني على رغم استخدام مختلف أصناف الأسلحة الثقيلة. من هذه الوجهة، قد يكون التدخل الروسي الأخير ملاقاة للتغير في المزاج الغربي، ودعماً ميدانياً له، إذ مع التآكل التدريجي لسيطرة الأسد على الأرض ستتآكل فرص الحل السياسي الذي تصر الإدارة الأميركية على ألا بديل له. ليس صعباً ملاحظة أن القلق الذي أبدته الإدارة الأميركية وحلف الناتو مُصاغ بعبارات ألفنا سماعها من الأمين العام للأمم المتحدة الذي لا حول له ولا قوة. وكي لا نعزو التطورات إلى مؤامرة دولية، ينبغي تذكر ترك الإدارة الأميركية الملفَ السوري للروس طوال الأشهر الأخيرة، ويمكن القول بأنها أرغمت الحلفاء الإقليميين على لجم اندفاعهم، وأجبرتهم على توسل تنازلات مدفوعة الثمن لا يبدو أنها كافية للروس. لقد كان واضحاً خلال هذه الفترة وجود تفاهمات أميركية روسية، ومصدر القلق الفعلي هو تجاوزها من قبل الروس الذين ضمنوا المرحلة الانتقالية بوجود بشار الأسد، ويعملون الآن على بقائه في ما بعدها. في الحقل السياسي عموماً، لا يسجل الروس سابقة بإخلالهم بتعهدات لم تكتسب صفة إلزامية، شأنهم في هذا شأن من يوقع على مقال ثم يبدل رأيه لاحقاً. ولا جديد من جهتهم، فهم لم يلتزموا من قبل تفاهمات تخص الموضوع الأوكراني. مدخل الروس المعلن في سورية هو مكافحة الإرهاب، وهو يأخذ مشروعيته من فشل الإدارة الأميركية التي تحرص على عدم الزج بقواتها البرية في مغامرة التصدي له، وكونها تريد شركاء على الأرض يقومون بالمهمة. وبما أن الأسد فشل في إثبات جديته على هذا الصعيد، يتقدم الروس لمنحه الصدقية المفتقدة بإشرافهم المباشر على العمليات العسكرية، أما أنهم لا يميزون بين الإرهاب والفصائل العسكرية التي تقاتل النظام فذلك قد يعدّ تفصيلاً ثانوياً لو ضُمن موقفهم في ما يخص تنحيته بعد المرحلة الانتقالية. وفق المعطيات الجديدة، قد يترتب على التحالف الدولي ضد داعش التنسيق التام مع القيادة الروسية، وضمناً مع النظام، بدل إنذار الأخير بتعطيل راداراته أثناء غارات التحالف، وهي وضعية ترفع النظام عملياً إلى رتبة مشارك في الحرب على الإرهاب، ما قد يثير اعتراض دول إقليمية أخرى مشاركة في التحالف، وينذر بإضعافه أكثر مما هو عليه أصلاً. تحت يافطة الحرب على الإرهاب، يعي الروس جيداً أن الأسد فشل فشلاً ذريعاً في تطبيق نموذج غروزني، وأخذ منه فقط الجانب المتعلق بالتدمير والإبادة الشاملين. فقوات الأسد، عاجزةً أو متعمدة أحياناً، ركزت جهدها على استهداف المدنيين ومعاقبتهم، في الوقت الذي تتلقى فيه الخسائر المتوالية عسكرياً. ما سقط أيضاً فرضيةُ إقامة توازن قائم على امتلاك النظام الجو لتعويض خساراته على الأرض، وهي فرضية تذكر بتفوق سلاح الجو الإسرائيلي على جميع الجيران العرب. الانهيارات المتوالية لقوات النظام وفشل حليفاتها أظهرت القدرة الجوية فقط على قتل المدنيين واستهداف مقومات العيش، أي أن حرمان الفصائل المعارضة الصواريخَ المضادة للطائرات لم يعد يعول عليه على المدى البعيد. لذا يتقدم الروس بأسلحتهم الحديثة وخبرائهم وحتى مقاتليهم للقيام بالمهمة، على قاعدة تناوب السيطرة على الأجواء مع التحالف الدولي، وبالطبع استهدافهم القوى التي لا يستهدفها. لن يمر وقت طويل حتى يكتشف الغرب مجدداً أن الروس لن يكونوا شركاء مناسبين، وأنهم يعملون لمصالحهم بمعزل عن مفهوم الشراكة. غير أن الأداء الروسي الحالي منسجم تماماً مع سلبية الإدارة الأميركية، فإذا كانت الأخيرة تنسحب من المنطقة فهم عازمون على التقدم فيها، وإذا كانت تطوي ملف التدخلات العسكرية المباشرة فهم استأنفوا الإرث السوفياتي بدءاً من أوكرانيا وصولاً إلى سورية، وإذا كانت لا تريد التضحية بالأميركيين بلا خطر مباشر فهم مستعدون للتضحية على قربان التوسع واستعادة الهيبة الدولية. إننا في المجمل إزاء خطين متعاكسين يربح منهما الأكثر قابلية للانخراط في الميدان. فالصراع في سورية وعليها، بل الصراع في المنطقة ككل، ينتمي إلى نوع قديم لم تعد جائزته مجزية بالنسبة للغرب بميزان المصالح، عدا عن كلفته الكبيرة بميزان الأدوات والأساليب. عملياً سنكون أمام صفحة جديدة في سورية، حيث من المتوقع أن تتصاعد شدة المعارك مع التدخل الروسي، وستكون الفصائل المعارضة في مواجهة تكتيكات جديدة لم تألفها في التعامل مع قوات النظام، بخاصة على صعيد الضربات الجوية التي قد تتغير أهدافها لتصيب المقاتلين والأهداف المدنية الحيوية، بدل القصف شبه العشوائي المتبع الآن. النية الروسية واضحة وشبه معلنة، يمكن تلخيصها بالعزم على إخضاع السوريين أسوة بالتجربة الشيشانية، ولئن فشل الأسد في استلهام النموذج فها هو بوتين «بطل النموذج الشيشاني» يتقدم بنفسه لتطبيق نموذجه المفضل. في ظن القيصر الروسي الجديد أن ما تبقى من أيام الإدارة الأميركية وسلبيتها كافٍ لإنجاز تحول حاسم على الأرض، لكنه سيكون مخطئاً تماماً إذا كان مكتوباً في مكان ما، على الأرض، أن الانتصار الذي مُنع عن الآخرين ممنوع عليه أيضاً.