أين ثقافتنا من وعي التاريخ؟ ينعدم الفرق بين هذا السؤال وبين «اللغم» لأن الاجابة عنه كالسير على الطريق من الجحيم الى الجحيم.. نعرف هذا حين نعرف مفهوم «وعي التاريخ» بصورة واضحة.. فهو يعني «المنهج الذي يجعل من التاريخ المبدأ الأكبر لتفسير وتحليل الظواهر والاحداث الانسانية».. «عبر السعي إلى الاحاطة بالواقع الاجتماعي بغية حل مشاكله». من هنا ينفتح الباب الذي تأتي منه الريح الصرصر العاتية: فاذا قلت: ان ثقافتنا ليست قائمة على الوعي التاريخي في كل حقول المعرفة كما يؤكد على ذلك كل من الدكاترة: عبدالله العروي ونصر حامد ابوزيد وحسن حنفي.. فأنت هنا ألقيت بنفسك من شاهق يشبه برج بابل، لأن عدم الوعي التاريخي معناه العشوائية العمياء والانفصال عن الواقع والسباحة في سرات الاوهام وأحواض الخرافة.. فهل أنت على استعداد حين تقول هذا لأن تتقاسمك السهام وتنصب عليك الخناجر من حراس الأوهام وسدنة الكهوف؟ واذا قلت لا ثقافة بدون وعي تاريخي ومنها ثقافتنا.. فأنت تعرف قبل غيرك بمسافات أنك كاذب وشوفيني لأنك واقف أمام مرآة الواقع وانت تدس رأسك «في الخمار الاسود» أو تدفنه في الرمال كما يقول القدماء. يحدد العروي ركائز الوعي التاريخي كما يلي: 1- الايمان بثبات قوانين التطور التاريخي. 2- وحدة اتجاه التاريخ. 3- امكانية اقتباس الثقافة. 4- ايجابية الدور الثقافي. لحسن حنفي تحديد اكثر وضوحا من تحديد العروي فيما يخص ثقافتنا ولكني أتركه لطوله.. وأكتفي بالوقوف على الركيزة الاولى التي ذكرها العروي وهي «الايمان بثبات قوانين التطور التاريخي» وأسأل بعد ذلك هل مر على ثقافتنا ظل الايمان بقوانين التطور؟ وحين اترك الاجابة لك ستقول قطعا: اذا كان الوعي التاريخي يعني الحركة الى الامام والنضج المتصاعد فان ثقافتنا قائمة على ان الماضي اشد اضاءة من الحاضر وكلما استمر الزمن خفتت الاضاءة نعم، ستقول هذا ولكنك ستقوله بتعبير يلبس قناعا لغويا كثيفا. في مقال رصين لافت للدكتور مصطفى الحسن نشر بهذه الجريدة في 15/5/2015م تحت عنوان: (الوعي بالتاريخية احد شروط المعرفة) فقد اعتبر الحسن ان «اهم منجزات العصر الحديث هو الوعي التاريخي» ولكنه حين اقترب من عمق المسألة ألبس لغة مقاله ما يشبه العمامة.