قال الدكتور علي بن محمد السواط متخصص في علوم وتكنولوجيا البنا لـ«الرياض» قبل أن نتحدث عن الحادثة الأليمة المتمثلة في سقوط الرافعة في الحرم يجب أن نذكر أن الحرم المكي الشريف يعتبر أكبر موقع إنشائي مأهول بأعداد كبيرة جداً من المرتادين في العالم، وهذه الخصوصية تخلق تحدي كبير جداً لإدارة مشروع التوسعة فيما يتعلق بالسلامة، فنحن هنا لا نتعامل مع موقع إنشائي مغلق بل موقع مفتوح ومأهول بعشرات ومئات الألوف على مدار الساعة طوال العام، وهنا يجب أن يكون من أهم أدوار إدارة المشروع هو تأمين وضمان أقصى درجات السلامة ووضع معايير صارمة في تنفيذ الأعمال تتنبأ بأسوأ الظروف وتضع جميع الإحتياطات اللازمة لإدارتها والسيطرة عليها. وأضاف الدكتور السواط أنني أطالب المسئولين والمختصين بدراسة ورصد حركة التيارات الهوائية أو ما يسمى بالديناميكا الهوائية في منطقة الحرم في ظل وجود الأبراج الشاهقة الارتفاع التي تم إنشاؤها مؤخراً، لأن ما شاهدناه من تيارات هوائية قوية تقاذفت بعض الأشخاص يثير تساؤلات كثيرة عن هذا الموضوع ويتطلب إجراء دراسة تحليل ورصد لهذه الظاهرة ومعرفة مسبباتها والعمل على معالجتها وتفاديها. وأشد الدكتور السواط بالمشاريع العملاقة للتوسعة التي تنفذها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله في الحرم المكي الشريف في هذه الفترة، وتنفق عليها الدولة رعاها الله مبالغ طائلة، وهي مشاريع كبرى يتم تصميمها عن طريق دور خبرة عالمية ووطنية، ويجري تنفيذها وفق أعلى معايير الجودة وفي سباق سريع مع الزمن لزيادة الطاقة الاستيعابية للحرم والتسهيل على المرتادين وتقديم أفضل الخدمات لضيوف بيت الله العتيق من الزوار والحجاج والمعتمرين، ونسأل الله أن يجعل هذه الأعمال الجليلة المباركة في موازين أعمال خادم الحرمين الشريفين وإخوانه الملوك البررة الراحلين رحمهم الله تعالى. وأوضح الدكتور السواط أن موضوع السلامة أحد أهم الوظائف التي تضطلع بها إدارة المشروع، ومع ذلك تحدث مع الأسف بعض الأخطاء والحوادث بحيث أصبح وجود ضحايا من العمالة في المشاريع العملاقة وخصوصاً مشاريع الأبراج من الأمور شبه المألوفة ، مشيرا أن هذه الحوادث تحدث لأسباب مختلفة قد تتعلق بأخطاء في التصميم أو في التنفيذ أو بسبب حدوث ظروف طبيعية أو مناخية قاهرة كما حدث في حادثة سقوط رافعة الحرم. واستطرد الدكتور السواط وحسب معلوماتي أن هذه الحادثة في الحرم المكي الشريف قد تكون الأكبر في التاريخ الحديث فيما يتعلق بحوادث سقوط رافعات البناء في المواقع الإنشائية، حيث أن الحوادث المسجلة في العالم لهذه الرافعات كان عدد ضحاياها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وبين الدكتور السواط انه يتم في الغالب استئجار هذه الرافعات عن طريق المقاول المنفذ من شركات متخصصة تشرف أيضاً على تركيبها في الموقع وتشغيلها وفكها بعد انتهاء الحاجة لها، وهناك معايير واشتراطات سلامة صارمة لتركيبها وتشغيلها وفكها، وتم وضع هذه الشروط واعتماد تنفيذها والالتزام بها من قبل الكثير من الهيئات المهنية العالمية المعنية بالإنشاءات والمقاولات وصناعة البناء، وأعتقد بأن التحقيق في حادثة سقوط رافعة الحرم سيتطلب بعض الوقت وسيطال التفتيش في جميع جوانب تركيب وتشغيل الرافعة وهي أمور معقدة نسبياً ولكنها موثقة ضمن وثائق المشروع، وأتوقع أن تكون إدارة المشروع في عمق المسئولية من بداية التحقيق نظراً لدورها الكبير ومسئوليتها فيما يتعلق بالحفاظ على السلامة في هذا الموقع المقدس الذي له خصوصية كبيرة لا توجد في أي موقع آخر في العالم. وأضاف الدكتور السواط ومن المعلوم أن فرق التحقيق سيكون فيها خبراء ومستشارين من قطاعات مختلفة ولكنني أطالب أيضاً بإشراك الهيئة السعودية للمهندسين في التحقيقات ممثلة في شعبتي الهندسة المدنية (الإنشائية) وإدارة المشاريع. كما أناشد الهيئة السعودية للمهندسين بإنشاء شعبة للسلامة والصحة المهنية بشكل عاجل، وتفعيل ومراقبة اشتراطاتها بهذا الخصوص وضمان تطبيقها والتقيد بها على أرض الواقع. وفي الختام فإننا كمهندسي بناء ومتخصصين في المشاريع الإنشائية نتفق بأن هناك قوى قاهرة تحدث أحياناً بقضاء الله وقدره ولا تكون في الحسبان قبل الحادث، ولكنني أكرر بأنه في حالة الحرم المكي وكذلك الحرم النبوي الشريفين وأهميتهما وخصوصيتهما واكتظاظهما بالمرتادين على مدار العام فإنه يجب أن نتوقع أسوأ الاحتمالات ونتصدى لها قبل حدوثها، وأن نضع ونطبق أعلى معايير السلامة والصحة المهنية في هذين الموقعين، وستكون هذه الحادثة المؤلمة بمثابة درس لنا كمسئولين ومتخصصين ومهندسين وباحثين وطلاب في حقل صناعة البناء. وستفرز هذه الحادثة أيضاً معايير واشتراطات سلامة أكثر صرامة. شرح الصورة مقطع فديو تيارات الهواء الدكتور علي السواط