انتهى الاقتراع في انتخابات البلديات والجهات (المحافظات) التي نظمت في المغرب يوم الرابع من سبتمبر/أيلول2015، وانتهى معها الصراع على مقاعد مجالس هذه البلديات والجهات، لينطلق صراع من نوع جديد مسرحه التحالفات التي تسعى الأحزاب السياسية إلى نسجها من أجل تشكيل الهيئات المسيرة لهذه البلديات والجهات. الأحزاب المغربية ذهبت إلى "بيدر" التحالفات وكل منها يحمل حصاده من "حقل" الاقتراع وهي تعلم تماما أن حسابات البيدر تختلف كثيرا عن حسابات الحقل، فكم من حزب احتل مراتب متقدمة في عدد المقاعد في بلدية ما، ولكنه قد لا يحصل على شيء من كعكة هيئاتها المسيرة، وبالمقابل قد يجد غيره نفسه في قمة هذه الهيئات رغم قلة ما تزود به من مقاعد يوم الاقتراع. فيتو المعارضة وتستثنى من هذه الحسابات المعقدة بعض المدن والقرى التي حسمت فيها نتائج الاقتراع حسابات البيدر، حيث منح فيها الناخبون أغلبية مريحة لحزب واحد، مثلما حدث مع حزب العدالة والتنمية في مدن مثل الدار البيضاء والقنيطرة وتمارة وأغادير والرشيدية وفاس ومكناس وطنجة وغيرها، أو منحوا فيها هذه الأغلبية لحزبين يسهل التحالف بينهما ولن يحتاجا إلى الغوص في لعبة الاحتمالات. 4466344064001 47e2ce6d-801e-4964-bc0f-977f678d7bfa bb5a46c9-0dc3-4e2e-9721-7f40203efe4c video إلياس العمري -نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وأحد قيادات المعارضة- قال في ندوة صحفية -بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات- إن أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزبه لن تشارك في أي تحالف يقوده حزب العدالة والتنمية، ولكن الأنباء والتسريبات التي ظهرت عن التحالفات تبين أن أثر هذا التصريح لم يتجاوز جدران القاعة التي قيل فيها، وفي أحسن الأحوال لم يتجاوز صفحات الجرائد التي نشر فيها. ففي مدينة آسفي (تقع على المحيط الأطلسي وتبعد نحو 300 كلم جنوب غربالرباط) أعلنت القيادة المحلية لحزب الاستقلال مثلا -وهو من أحزاب المعارضة- التحالف مع حزب العدالة والتنمية ومنحه رئاسة بلدية المدينة، كما أن بعض الأنباء تحدثت عن عرض الحزب نفسه على العدالة والتنمية أن يقود بلدية تاونات (شمالي البلاد) لقطع الطريق على حزب التجمع الوطني للأحرار. وتؤكد أنباء واردة أيضا من مدينة طاطا (جنوبي البلاد) أن حزب الاستقلال عقد تحالفا مع حزب العدالة والتنمية حصل الأخير بموجبه على رئاسة البلدية، ومثل ذلك تتحدث عنه بعض الأنباء الواردة من بلدة بني شيكر قرب مدينة الناظور (شمالي شرقي البلاد)، حيث يحتمل أن يقود العدالة والتنمية تحالفا يشارك فيه حزب الأصالة والمعاصرة. تناقضات الأغلبية أحزاب الأغلبية الحكومية (العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية) هي بدورها سبق أن أصدرت قياداتها بيانا تعلن فيه أنها ستلتزم بالحفاظ على تحالفها والعمل على ترجمته في التحالفات التي ستعقدها لرئاسة البلديات والجهات. غير أن التسريبات والتقارير الإعلامية تتحدث أيضا عن قصص داخل هذه الأغلبية مماثلة لتلك التي سجلت لدى المعارضة، حيث تغرد الكثير من القيادات المحلية ومرشحي هذه الأحزاب خارج سرب الأغلبية، وتجري رياح التحالفات المحلية بما لا يشتهيه بيان القيادات المركزية. 4466322708001 b3559d94-8a86-41c5-81fe-bfcfbef823d0 d26d8baa-d20d-4a0a-b33a-7a9bd5ef7d4a video والمثال الساطع الذي كثرت بشأنه التسريبات هو بلدية مدينة تطوان (شمالي البلاد)، والتي تتحدث تقارير إعلامية عن أن عدم التفاهم بين كل من حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار على رئاستها يوشك أن يفجر تحالفات الأغلبية، ويرهن تفاهماتها في بلديات وجهات أخرى من البلاد. وتقول تقارير إعلامية إن حزب التجمع الوطني للأحرار يسعى للضغط على التحالف الحكومي من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في تحالفات البلديات والجهات، وبالمقابل يرفض حزب العدالة والتنمية ذلك مشهرا ورقة حصوله على رتب متقدمة في أغلب المدن المغربية. وفي مدينة القصر الكبير (شمالي البلاد) أيضا يجري الحديث عن أن حزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار خرقا اتفاق أحزاب الأغلبية ويسعيان للتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة لقطع الطريق على مرشح العدالة والتنمية لرئاسة بلدية المدينة. وفي مدن أخرى مثل تادلة (وسط البلاد) وكليميم (جنوبي البلاد) وسيدي سليمان (غربي البلاد) والخميسات (شمال العاصمة الرباط) ومناطق أخرى تتحدث التسريبات عن تحالفات تجمع أحزاب الأغلبية والمعارضة، وهي تحالفات إما يفرضها الواقع المحلي الذي لا يستجيب بالضرورة لتوجهات القيادات المركزية، أو تفرضها مصالح شخصية لبعض المرشحين المحلين الذين لا يربطهم بالأحزاب التي "يمثلونها" إلا كونهم اتخذوها مطية لكسب مقاعدهم. تحالفات انتخابات البلديات والجهات هذه إذن لا يحكمها منطق سياسي ولا حسابي، وتستعصي اصطفافاتها على الفهم والهضم، وتكاد تتعدد بتعدد البلديات والجهات التي تجرى فيها، وهو الواقع الذي وصفه سياسي مغربي في انتخابات البلديات في العام 2003 بالقول إن من يدبر مثل هذه التحالفات المتحركة كمن يلعب الشطرنج بالخنافس.