منذ سنوات طويلة وأنا أردد - وبطريقه ممجوجة - بأن إشكالية بلادنا هي إشكالية أنظمة وتشريعات وأن جذور أزماتنا واحتقاناتنا تنبت في التربة الخصبة لهذه الأنظمة والتشريعات، والتي كلما تراكمت وتجذرت زادت تكاليف تغييرها. ومثلما تنطبق هذه المقولة على قطاعات البلد ككل وتتقاطع معها بخط رأسي فهي تنطبق أيضا على الاقتصاد في البلد. نحن لا نقل عن دول الجوار في شيء، بل إننا نتفوق عليهم بالمزايا النسبية أجمع ومع ذلك تجدنا في الغالب نقبع في مؤشرات أقل أحيانا، والسبب عدم تفعيل القدرات الكامنة والاستفادة من المزايا النسبية. التوجيهات الملكية لوزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار بدراسة وتسهيل عمل الشركات العالمية وتقديم الحوافز لها لتتمكن من مباشرة عملها في الأسواق المحلية خطوة إصلاحية هامة في طريق تحرير التجارة والاقتصاد الطويل وتفتح هوة في جدار الاحتكار الذي ظل عصيا على الاختراق. التساؤل هنا عن «الشروط والضوابط» التي جاءت في بيانات وزارة التجارة وهيئة الاستثمار والمزمع إصدارها في هذا الصدد، فإما أن تكون شروطا تعجيزية وإما أن تكون موضوعية تحفظ حقوق الطرفين بميزان التجارة الحرة وتأخذ بعين الاعتبار التقاليد التجارية المتعارف عليها عالميا للشركات العابرة للقارات. هاجسي أنا غير، وهو حراثة وتسوية البنية التحتية للأنظمة والتشريعات العامة وخصوصا ما لها مساس بالاستثمار المحلي والأجنبي لكي لا يكون هدفنا الشركات الصناعية التي تبيع منتجاتها فقط، لأننا نريد معها شركات الخدمات كالمستشفيات والمقاولات والسياحة واستقطاب مكاتب الشركات الإقليمية وغيرها، ولو كانت هذه الأنظمة والتشريعات العمومية غير منافسة فإن الشركات الأجنبية لن تدخل مباشرة للسوق حتى لو فتحت لها الباب وسوف تكتفي بالوكيل الذي سيقدم لها تنازلات مغرية ويفك شفرة الإجراءات المعقدة.