خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل له السمع والفؤاد والبصر، وجعل منه شعوباً وقبائل، وعندما تتلاقى العيون يبدأ حوار خفيّ مليء بالمشاعر، غزير بحديث ذي شجون، وهذا التواصل نشعر به، ونتواصل عن طريقه، وهو أحد أجلّ النّعم التي منّ الله تعالى بها على الإنسان والبشرية، ولكنّي مع علياء، كنت على موعد مع لغة فاقت لغة العيون واللسان جمالاً، هي من الشّقيقة عُمان، جاءت في رحلة للبحث عن العلم والفائدة، وفي دبي، كان اللقاء ومع علياء كان لي محطّة التّعلّم الجديدة، فتاة فائقة الجمال، دخلت علينا في غرفة التدريب، كانت معها سيّدة عرفت فيما بعد أنها والدتها، جلستا بجواري، ويا لي من محظوظة، بدأنا بالتعارف، وكان اللقاء بالكلام والمصافحة كعادتنا الجميلة، وبعد دقائق بسيطة، قاطعنا المُدرّب بكلماته مرحّباً، الجميع قدّم نبذة عن نفسه، ولكل محطّته الخاصّة التي حرص على أن يجعلها من ضمن التقديم ليثير بها انتباه الآخرين، ولكنّ علياء هي من أسر الجميع بجمال اللغة، وحُسن التعبير، وقفت مع الجميع، ولكني كنت أصغي بجميع حواسّي لهذه الفتاة، وكنت أتخيّلها ابنتي، وكنت أراني بجوارها أعيش نشوة النّجاح. استمرّت الدّورة 5 أيام متتالية، وهي الأكثر انضباطاً بين الحضور في كل شيء، وكان المدرّب شديد الحرص على سماع إجاباتها، وكنت أتتبع إجاباتها، فهي الأكثر دِقّة في اختيار الإجابات، والأكثر تميّزاً في تفسير الاختيار، لغتها كانت بالكلام، أما حوار العيون فكان غائباً، هي من ذوي الإعاقة البصرية، ولكنها وبإيمانها القويّ تحلّت بما هو أكثر تعبير وأغزر معنى، تعلّمت لغة البصيرة، وهو علم قلّ من حمله، عندما نتحدّث إليها تراها تعرف من أين يأتي الحديث فتستدير لتكون مواجهة لمن يتحدّث إليها، وكأنها لم تع أنها الشمس التي انجذبت حولها الكواكب. انقضت مدة الأيام الخمسة، وانتهت الدّورة، ولكنّ آثار الدّورة التدريبية الإيجابية من ناحية العلم الجديد الذي استقيناه، والمعرفة الجديدة التي ألممنا بها سيعيش معنا جميعاً، وأكثر ما ترك فيّ من أثر هو علياء، تعلّمت منها أن فقدان نعمة ما، لا يعني خسارة فادحة، وإنما هو باب لنِعَم أكبر وأكثر قوّة وفائدة. علياء، كنت أمعن النظر إلى ما هو قوّة تحرصين على استمدادها من إيمانك، كنت أراك التحدّي الذي سبق الإعجاز وزاد عليه، عزيزتي، أتمنى لك كل التميّز والتوفيق في رحلتك للبحث عن نعمة البصر التي لم تأل والدتك في البحث عنها برّاً وبحراً، تمنيّاتي لك ولأسرتك الكريمة بتمام السعادة والنجاح، تعلّمت منك أن الصبر نحمله صغاراً وكباراً، وأن الإيمان بالله تعالى هو مفتاح النّجاح والتوفيق، وأن من يسعى بجِدّ وبجُهد حقيقيّ سينال ما هو أفضل من نجاح محدود، وأنه على المرء ألا ييأس في الانطلاق لكل ما قد يخفّف من معاناته، أو يحمل له الشفاء، أو قد يكتب له فتح أبواب الأمل في مستقبل أفضل، أتمنى أن تصل عباراتي هذه لك، ولكل مسؤول يريد أن يصنع التغيير الإيجابي، أو إلى من يريد أن يسجّل اسمه في سجلات التاريخ الإنساني العظيم. كافية الكعبي Share.Care@hotmail.com