×
محافظة المنطقة الشرقية

مئات المواطنين والمقيمين يتوا فدون للتبرع بالدم في الإمارات

صورة الخبر

هو الطفل مرّة أخرى يدفع ثمن «لعبة» الكبار. أقول لعبة وليس حرباً، لأنّ التاريخ علّمنا أنّ الحروب تبدأ ثمّ تنتهي، لكنّ الحرب في عالمنا العربي لا تعرف لها نهاية. وعلى كثرة ما اعتادت أعيننا مشاهد المجازر والدماء، لم تعد «الصورة» تؤثّر فينا. العادة أسقطت النظريات. الصورة لم تعد تُمارس «سلطة» الفعل، ولا تحضّ على ردّ الفعل، على ما يقول الباحثون ممن اشتغلوا على مهوم الصورة والميديا. لكنّ الشاشات أرادت أن تضعنا أمام تحدٍّ جديد، أو أن تختبر ما تبقّى فينا من إنسانية. فلم تعرض صور أشلاء «مُستهلكة»، ولا دماء سائلة، إنما صورة طفل «نائم» على شاطئ رملي. يرتدي بلوزة حمراء وشورت أزرق وصندال رمادياً، كأنه ذاهب في نزهة. ينام الصغير بوضعية الساجد، ملتحفاً السماء بامتدادها اللانهائي. لوهلة، يظنّ المشاهد أنّ المنقذين أسعفوه وتركوه يغفو قليلاً لعلّه يرتاح من عناء سفرٍ ثمّ غرقٍ في بحر مجهول. صورة الطفل السوري التي هزّت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عربياً وعالمياً، هي الأعنف بين صور الموت الكثيرة. نقول هذا ونحن ندرك في سرّنا أنّ الواقع العربي لا يبخل علينا بمفاجآته الكثيرة، فكلّما قلنا أنّ القسوة بلغت ذروتها في هذا المشهد أو ذاك، وصلتنا صور أحدث وأقسى وأعنف. ونستدرك هنا مقولة بديعة لباشلار في كتابه «الأرض وأحلام الغفوة»: «الموت هو أولاً صورة، وسيظلّ دوماً كذلك». ولو أردنا البحث في مشهدية هذه الصورة التي غَزَت شاشات التلفزيون والمواقع أول من أمس، لوجدنا أنّ «قسوتها» تكمن في هدوئها. لا دماء تُلطّخ الجسد الصغير، ولا كدمات تشوّه الوجه الملائكي، بل إنّ وجهه لا يظهر. وجهه مدفون في الرمل او الموج، كأنه أراد، وهو يموت، أن يخفي ملامحه عن العالم، لكي يكون «طفلاً» - طفلي او طفلك - بدلاً من أن يكون مجرد صبي سوري «غريب». الغريق الصغير أعاد للصورة سلطتها الفعلية، ومن يراقب ردود فعل المشاهدين على الفيديو الذي تناقلته كلّ القنوات والمواقع يُدرك جيداً أنّ الذات الإنسانية سقطت أمام مشهد الموت. وهذا ما يتقاطع مع مقولة الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه في كتابه «حياة الصورة وموتها»: «كلما امّحى الموت من الحياة الاجتماعية غدت الصورة أقل حيوية، وأصبحت معها حاجتنا للصور أقل مصيرية». غريق تركيا الصغير ليس الطفل الأوّل الذي يموت «عبثاً» في بلادنا، ولن يكون الأخير، لكنّ صورته صامتاً، طريح الماء والرمل، ستظلّ تنكأ جرحاً ما في قلوبنا كلّما شاهدنا طفلاً يلهو على الشاطئ.