حدث ذلك حقيقة خلال الفترة 1982-1989 بنسبة فاقت في المتوسط 50.0 في المائة على مستوى مدن المملكة، وكان قد وصل في بعض المواقع إلى أعلى من 70.0 في المائة، دون الأخذ في الاعتبار المناطق والمواقع التي شهدت ارتفاعا كبيرا في المضاربة على الأراضي فيها. كيف حدث ذلك؟ وما الأسباب التي وقفت ذلك الانهيار السعري الكبير؟ وفقا لبيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات "الكتب الإحصائية السنوية"، سبق ذلك الانهيار السعري للعقار طفرة عقارية هائلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، تجاوزت في نموها الهائل 352.0 في المائة خلال أقل من أربعة أعوام فقط (1973-1977)، وهي الفترة التي ارتفعت خلالها أسعار النفط بنحو 360 في المائة، وتأسيس صندوق التنمية العقارية، عززت من نمو إيرادات ومصروفات الحكومة للفترة نفسها بأعلى من 213.3 في المائة للإيرادات، وأعلى من 642.4 في المائة للمصروفات، عدا زيادة الهجرة الداخلية للسكان من القرى والهجر إلى المدن الرئيسة، وزيادة تدفق السكان غير السعوديين على البلاد نتيجة الطفرة الاقتصادية الأولى، والنمو السكاني الكبير خلال تلك الفترة القصيرة بأكثر من 16.0 في المائة. ومع بدء أسعار النفط بالتراجع الحاد بنحو 60.0 في المائة خلال 1981-1986، وانكماش الإيرادات الحكومية للفترة نفسها بنحو 79.2 في المائة، والمصروفات الحكومية بنحو 51.7 في المائة، ترتب عليها تراجع أسعار العقارات بنسبة فاقت الـ 50.0 في المائة، رغم الزيادة السكانية الكبيرة بنحو 48.1 في المائة خلال الفترة 1981-1989، ومع بدء الحكومة الاستدانة محليا في 1988 وما تلاها من أعوام، دخلت السوق العقارية في مرحلة ركود طويلة جدا، استغرقت نحو 17 عاما، أي حتى عام 2006، على الرغم من ارتفاع إجمالي عدد السكان خلال تلك الفترة من 14.5 مليون نسمة إلى أعلى من 24.1 مليون نسمة "بنمو إجمالي فاق 66.6 في المائة". وبالطبع فقد أصبح معلوما لدى الجميع ماذا حدث للسوق العقارية بعد عام 2006 حتى الفترة الراهنة، والارتفاع الكبير جدا الذي شهدته الأسعار، للأسباب التي سبق إيضاحها بصورة مفصلة في أكثر من تقرير ومقال للكاتب. أمام اليأس الذي تغلغل لدى أغلب الأفراد تجاه التضخم السعري الكبير لأسعار الأراضي والعقارات، وعدم قدرتهم لا من حيث الدخل السنوي، ولا حتى من حيث القدرة الائتمانية، وما رافقها من حملات ضخمة جدا وواسعة النطاق للأطراف ذوي العلاقة بالسوق العقارية، من تجار الأراضي والعقارات، مرورا بالسماسرة في المكاتب العقارية، وامتدادهم في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، استهدفت إقناع أفراد المجتمع بأن تلك الأسعار المتضخمة لا مجال أبدا لتراجعها، بل إنها تتوجه إلى المزيد من الارتفاع واستمراره، كان لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي، وتعزيز الوعي والمعلومات لدى أولئك الأفراد بالدرجة الأولى، كونهم المستهدفين ومن يدفع الثمن فادحا جراء هذا التضخم السعري الهائل لأسعار الأراضي والعقارات. أولا؛ يجب التأكيد على أن أسباب كثيرة وقفت وراء هذا التضخم السعري الهائل، تمحورت من رأسها إلى أخمص قدميها حول التشوهات الواسعة في السوق العقارية، بدءا من الاحتكار الكبير للأراضي داخل المدن، واكتنازها ومنعها من الانتفاع والتطوير، سعيا إلى تنامي قيمتها السوقية دون النظر إلى الأضرار والآثار السلبية له، وزاد من ضراوة الارتفاع السعري احتدام تعاملات المضاربة على الأراضي، قابل كل تلك العثرات التنموية؛ انعدام الحلول والمعالجة من قبل الأطراف الحكومية المعنية كافة، فلا وزارة الإسكان قامت بأدوارها طوال الأعوام الماضية، ولا وزارة التجارة والصناعة ومعها مجلس حماية المنافسة قاما بأي إجراءات تحد من أشكال احتكار الأراضي والتلاعب في أسعار الأصول العقارية، ولا وزارة الشؤون البلدية والقروية قامت بدورها تجاه الإسراع بتطوير وترخيص المخططات والأحياء، لتنتج حالة السوق العقارية والإسكان بوجهها وجسدها المعاق تنمويا كما نشهده في المرحلة الراهنة. ثانيا؛ وهو الأهم في هذا السياق، أن المشهد الذي جرى خلال 1981-1986 من تراجع لأسعار النفط، وبدء الحكومة بالاقتراض من القطاع المالي المحلي في 1988، ها هو يتكرر بدرجة كبيرة جدا، وهو الأمر الذي سيخدم كثيرا تطلعات المجتمع إلا لدى معسكر تجار الأراضي والعقارات والسماسرة، أن تبدأ الأسعار بالتراجع والعودة إلى مستوياتها العادلة، التي تخدم احتياجات الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، وبما يسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية الشاملة والمستدامة، وهو ما بدأت تسجله فعليا مستويات الأسعار منذ مطلع الربع الثاني من العام الجاري، كانعكاس حقيقي لعدد من المتغيرات الاقتصادية أخيرا، بدءا من أحجام الأفراد عن الشراء قسريا لعدم مقدرتهم من حيث الدخل والقدرة الائتمانية، ثم بدء تطبيق أنظمة التمويل العقاري نهاية 2014 واشتراط دفع 30 في المائة كمقدم لشراء العقارات، وقبلها بدء أسعار النفط بالتراجع منذ منتصف 2014 حتى وقتنا الراهن بأكثر من 60 في المائة، وما ترتب عليه من عودة المالية الحكومية للاقتراض المحلي مع منتصف العام الجاري، بهدف تمويل العجز المالي خلال الفترة الراهنة ومستقبلا، وأخيرا ترقب الإعلان الرسمي عن آليات تطبيق قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات. كل تلك العوامل لا شك أنها ستؤثر إيجابيا لمصلحة الاقتصاد الوطني وأفراد المجتمع، على حساب استمرار تراجع أسعار الأراضي والعقارات، وانكماش التضخم السعري الهائل في مستوياتها الشاهقة، لتتكرر التجربة مرة أخرى للفترة 1982 ـــ 1989 مع الأخذ في عين الاعتبار بعض الاختلافات التفصيلية، إلا أنها في المجمل قد تأتي الانخفاضات في الأسعار هذه المرة أكثر حدة من التجربة السابقة، قياسا على تفاوت النمو السكاني للمرحلتين، وأخذا في الاعتبار الفائض الهائل في أعداد المساكن الشاغرة من السكان، إضافة إلى الانخفاض المحتمل في تدفق السكان غير السعوديين على البلاد، ولجوء أغلب كيانات القطاع الخاص للاستغناء خدمات شريحة من العمالة الوافدة، إضافة إلى عامل الحسم الرئيس والأهم بين كل تلك العوامل، ممثلا في تطبيق قرار الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي سينتج عنه ضخ مئات الملايين من أمتار الأراضي في جانب العرض المحتكر. أخيرا، المشهد الفعلي لبدء تراجع أسعار الأراضي والعقارات بدأ واقعا، وما حالة الركود المخيمة على السوق العقارية منذ الربع الأخير لعام 2014، وتزامن تراجع الأسعار منذ الربع الثاني للعام الجاري، إلا مقدمة حقيقية لمرحلة قادمة تبشر بمكاسب للاقتصاد والمجتمع، لا شك أنها ستسر الجميع إلا الشريحة الضيقة المنتفعة من تضخم الفقاعة العقارية. مع التأكيد على أن كل محاولات إيقاف مسلسل تراجع الأسعار من زيادة للتمويل العقاري والتفاف على شروطه من قبل بعض الأطراف والجهات، وغيرها من الإجراءات الهادفة لإنقاذ الأسعار من استمرار الركود والانخفاض، مصيرها إلى الذوبان كالسكر في الماء. والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية