اعتاد الأستاذ محمد الأحيدب من حين لآخر، شن حملات ظالمة على الأطباء، حملات فيها كثير من المبالغة والبعد عن الحقيقة، ومبنية في أغلبها على ملاحظات فردية لا يصح تعميمها على عامة الأطباء، وقد حان اليوم أن آخذ بثأر الأطباء منه بالحديث عن الصيادلة بما لا يسر، (الكاتب صيدلاني). وأرجو أن يتقبل ما أكتب على سبيل المزاح ليس إلا. في كتاب (أدب الطبيب) لإسحاق بن علي الرهاوي، (الذي قدمت عرضا له يوم أمس) يخصص المؤلف فصلا لتحذير الأطباء من غش الصيادلة وفساد عملهم في إعداد الأدوية المركبة والمفردة، فالغش في الدواء لا يعود ضرره على المريض وحده، وإنما يضر الطبيب أيضا، لأن المريض متى تضرر من الدواء المغشوش، أو لم يستفد من العلاج، اتهم الطبيب بالجهل وبالقصور ولا يلوم الصيدلاني الذي أعد له الدواء، فمن واجب الطبيب أن يفحص بنفسه ما يعطى من دواء لمريضه. ويصف الرهاوي أشكال الغش المتعددة التي يقوم بها الصيادلة في أيامه، (القرن الثالث الهجري) فيذكر منها أن بعض الصيادلة، متى كان الدواء مركبا يعمد إلى خلط الدواء الغالي الثمن بدواء يشبهه قليل الثمن لكنه ليس له نفس الفعالية فلا يأتي بالنتيجة المطلوبة. أو أن يعمد إلى إسقاط أحد المركبات من الدواء لعدم توفره، أو لغلاء ثمنه، وقد يكون المركب الذي أسقط هو جوهر الدواء فيفقد قيمته العلاجية، أو أن لا يتقيد الصيدلي بالمقادير المقررة لكل مركب دوائي فيغير في مقدار المركبات زيادة ونقصانا حسب رأيه، أو يعمد إلى إضافة مركب دوائي لم يذكره الطبيب، ظنا منه أن فيه منفعة للمريض وهو في طبيعته قد يكون ضارا له. وغش الصيادلة لا يقتصر على الأدوية المركبة، فهو يحدث كذلك في الأدوية المفردة، مثلا بعض الصيادلة يستحل أن يعطي بدل الدواء الموصوف دواء آخر يشبهه في المنظر، وإن كان يضاده في الفعل، فيكون في ذلك هلاك المريض. وإلى جانب الإبدال في الأدوية هناك غش من نوع آخر، كأن يكون الدواء قديما فاقدا لفعاليته، أو أن يكون الصيدلي اقتطع نباته وجمعه واستخرج ما فيه من بذور وغيرها قبل أن يكتمل نضجه، فلا تكون له الجودة المتوقعة، أو يكون الدواء مخزونا بطريقة غير صحيحة فيعرض له العفن وربما تضرر المريض منه لما يطرأ عليه من تغير، أو مخزونا مع أدوية أخرى في إناء واحد فيغير أحدهما خصائص الآخر، وغير ذلك من أشكال الغش التي يقع فيها الصيادلة، تهاونا أو تعمدا. وفي رأي الرهاوي أن على الطبيب أن يكون متيقظا لذلك، مدركا له، فإذا وصف دواء لم يعول على من يرعى الطبيب، بالإشراف عليه، وإنما لابد له من تفحصه بنفسه والتأكد من جودته قبل أن يسمح للمريض باستعماله. والخلاصة، أن هذا شأن الناس منذ خلقوا، في فطرتهم الغش والتدليس وعدم الأمانة، ما لم تكن هناك عقوبات تلوح أمامهم فتردعهم.