بدأ أمس أعضاء الائتلاف المدني التونسي ضد الإرهاب (ائتلاف مستقل عن الحكومة) زيارة إلى سوريا للاطلاع على وضع الجالية التونسية، ومقابلة السجناء التونسيين، خاصة الذين تم الإفراج عنهم سنة 2013 وظلوا عالقين في السجون السورية. ويتضمن برنامج الزيارة إجراء لقاءات مع عدد من أفراد الجالية والاستماع إلى مشاغلهم، المتعلقة أساسا بتأمين الملاذ الآمن لهم، وحث المجتمع المدني السوري على تقديم العون والمساعدة لحل مشاكلهم. كما يسعى منظمو الزيارة إلى المطالبة بإطلاق سراح المغرر بهم، ممن لم يثبت تورطهم في حمل السلاح، والعمل على إحالة ملف الموقوفين المتهمين بالتورط في أعمال إرهابية إلى القضاء السوري في أقرب الآجال، مع توفير الضمانات القانونية لمحاكمتهم بطريقة عادلة. وكان وفد تونسي يمثل مكونات المجتمع المدني قد قام بزيارة أولى إلى سوريا في سنة 2013. وعقب الزيارة تم الإعلان عن بيان مشترك مع ممثلين عن المجتمع المدني السوري، حمل شعار «من أجل حقن الدماء ونبذ الكراهية والعنف»، وأكد على أهمية مقاومة الإرهاب وتجفيف منابعه، وطالب بمعالجة جدية لمشكلة المساجين والمسلحين التونسيين. وفي هذا الشأن قال زياد الهاني، عضو الوفد التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة وفد الائتلاف المدني التونسي ضد الإرهاب «ستمكن من الاطلاع على ظروف التونسيين في سوريا، وبحث مشاكل المتطرفين التونسيين المعتقلين هناك». فيما أوضحت مصادر أمنية تونسية أن عودة المتشددين من بؤر التوتر إلى بلادهم، ستكشف عن تفاصيل مرعبة حول شبكات التسفير إلى المحرقة السورية، مشيرة إلى أن منظمي عمليات التسفير إلى بؤر التوتر يتقاضون مبالغ مالية كبيرة عن كل شاب يصل إلى ساحات القتال، كما تصرف أموال أخرى إلى عائلاتهم. وبهذا الخصوص يقول محمد إقبال بن رجب، رئيس «جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج» في تصريح إعلامي، إن عددا من التونسيين يقبعون حاليا في السجون السورية، بعد أن تم اعتقالهم أثناء محاولة اجتياز الحدود السورية - التركية خلسة، مشيرا إلى أن هؤلاء لم يتورطوا في أعمال إرهابية، ويمكن العفو عنهم وإرجاعهم إلى تونس. يذكر أن تونس عينت قنصلا عاما لها في دمشق بعد انقطاع دام نحو ثلاث سنوات، حيث اتخذ الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي قرارا بقطع العلاقات مع النظام السوري سنة 2012. وبقي قرار إعادة العلاقات بين أخذ ورد نتيجة اختلافات سياسية في التعامل مع الملف السوري. ووفق إحصائيات وزارة الشؤون الخارجية التونسية يوجد في سوريا نحو 6800 تونسي، كما أظهر استبيان أجراه الاتحاد العام لطلبة تونس (منظمة طلابية مستقلة) أن ما بين 800 و1200 طالب تونسي تم التغرير بهم، والتحقوا بجبهات القتال في بؤر التوتر. وخلافا لعدة أطراف سياسية وأمنية معارضة لفتح أبواب «التوبة» أمام المتطرفين، قال راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، في تصريح إعلامي، إن فتح باب التوبة أمام المتشددين العائدين من سوريا يشمل فقط من تراجع عن أفكاره المتطرفة التي تبناها عن جهل وانعدام وعي، مضيفا أن الصفح عن التائبين جرب من قبل في الجزائر والسعودية، وغيرها من الدول وأعطى نتائج إيجابية، و«تونس ليست في حاجة إلى اختراع العجلة في هذا الشأن لأن دولا أخرى فتحت مجال التوبة للمتشددين، ونجحت في تحييدهم وإعادة إدماجهم في الحياة العامة». في السياق ذاته، أشارت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية (مركز تونسي مستقل)، إلى أنّه لا يمكن الحديث عن التوبة في التعامل مع المجموعات المتطرفة، لأن أيدي أغلبهم تلطخت بالدماء والقتل، على حد تعبيرها، وكشفت لـ«الشرق الأوسط» عن خطورة هذه الخطوة لأن انتهاء الأزمة السورية يعني عودة نحو ستة آلاف مقاتل تونسي إلى البلد، مع ما تمثله هذه العودة من أعباء إضافية على المؤسسة الأمنية والعسكرية، وعلى ظروف عيش التونسيين وأمنهم، مشددة على أن تونس لم تهيئ نفسها لعودة المقاتلين، ولم توفر مراكز تأهيل أو آليات واضحة لمحاكمتهم. في نفس السياق، بينت قعلول أن تونس عجزت عن إيجاد حلول حاسمة لنحو 560 متشددا تونسيا عادوا في وقت سابق، مؤكدة أن أغلبهم التحقوا بالتنظيمات المتطرفة عن قناعة، ومنهم من حمل معه عائلته وأطفاله، وبالتالي فهم «لا يتبنون مفهوم الدولة المدنية، ويحاربونها بكل قواهم، مما يجعل مفهوم التوبة لا ينطبق على معظمهم»، حسب تعبيرها.