لم تمنع 19 عامًا قضاها مهندس تفجيرات الخبر أحمد المغسل، متخفيًا ومتنكرًا ومتنقلاً بهويات مزورة، من وقوعه في يد العدالة أخيرًا. اصطاده صقور الأمن السعودي بعملية استخبارية معقدة، حتى لو ظن واهمًا أن السنين نالت من عزيمتهم وأضعفت قواهم. ليست مفاجأة أن المغسل كان يقيم بإيران، كما أنه لم يكن مفاجئا أنه يتنقل بهويات إيرانية مزورة، المفاجأة الحقيقية لو أن السيناريو كان فعلاً مختلفًا، ولم يكن لطهران يد في هذا التفجير الإرهابي، وإيواء منفذيه طوال عقدين مضيا. الآن وبعد الضجة التي أعقبت الكشف عن والقبض على المغسل، يبقى ثلاثة من المطلوبين المتهمين في العملية، من أصل 14 مطلوبًا، الذين سيكون الدور القادم عليهم الآن.. أين يقيمون؟ وما هي الجهة التي تدير تحركاتهم وتخفي هوياتهم وتستبدلها بهويات مزورة؟ وبعيدًا عن التنجيم والتحليلات والتكهنات، وكما كان المغسل يقيم في إيران، الدولة المتهمة بالوقوف خلف هذا العمل الإرهابي، فإن الطبيعي أن يكون المطلوبون الثلاثة مقيمين أيضًا فيها، وإن لم يكونوا كذلك، فإن الأوامر بالتأكيد صدرت لهم من اليوم الذي قبض فيه على المغسل بالعودة فورًا، فلا توجد دولة في العالم قادرة على تحدي الولايات المتحدة والعالم وإيواء مطلوبين للعدالة أو إرهابيين سوى دولة واحدة فقط، كما فعلتها سابقًا مع أعضاء تنظيم القاعدة، وهو أمر مثبت بالأدلة والبراهين، ولا يمكن تخيل أن المطلوبين الثلاثة: علي الحوري وإبراهيم اليعقوب وعبد الكريم الناصر، والأعضاء في ما يسمى «حزب الله الحجاز» المدعوم من إيران، استطاعوا التمويه على أجهزة الإنتربول الدولية وسلطات الأمن في دول العالم، باعتبارهم مطلوبين دوليين، من دون وجود دولة تحتضنهم وتغطيهم قانونيًا، وتمكنهم من التخفي عبر كل هذه السنين. وبعيدًا عن نظرية «فتش عن الدافع» المشهورة، التي يستخدمها المحققون الجنائيون، والتي تناسب إيران في تفجير الخبر، كما غيرها من أعمال إرهابية تثبت مسؤوليتها بالصوت والصورة والقرائن والدلائل، فإن النظام الإيراني انتقل من إدارة العمليات الإرهابية في الخفاء، إلى القيام بها فوق الطاولة وأمام الملأ، وشرعنتها بشكل لم يسبق له مثيل، وهو يرى أنه سيستمر في ذلك طالما لا توجد جهة في العالم تستطيع إيقافه، أو حتى احتواءه (هل قلت احتواء؟!) بل أحيانا تتم مكافأته، كما تم في الاتفاق النووي، الذي يستعد الكونغرس للتصويت عليه الشهر المقبل. أليس قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، وللغرابة، مصنفًا أميركيًا على قائمة الإرهاب، واستمر يمارس عملياته سابقًا في السر ودون الكشف عنها، ثم ها هو أصبح يتحرك ويمارس قيادته لتنظيمه الإرهابي بشكل علني، أحيانًا ميدانيًا مع ميليشيات طائفية وإرهابية كتنظيم الحشد الشعبي، وأحيانًا وكأنه سفير أو دبلوماسي، كما فعل في اجتماع الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي الحاكم في العراق، وتدخله للدفاع عن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وكأنه المندوب السامي، فهل نتوقع من النظام الإيراني أن يغير من سياسته العدائية والمزعزعة للأمن والاستقرار، بينما القانون الدولي يغض النظر عن أفعاله الإرهابية الواضحة للعيان، ويطبق نفس القانون بحذافيره وبصيغة مشددة على دول أخرى. أحمد المغسل لم يقدْ فقط الشاحنة التي فُجرت وقتلت 19 شخصًا، وأصابت 372 آخرين. المغسل قاد من أغمضت عيونهم ليفتحوها قليلاً، وينظروا من هي الدولة التي تخطط وتتآمر وتفجر وتقتل وتؤوي إرهابيين، ومع ذلك هي في مأمن من أي محاسبة أو عقاب. هذه السياسة الانتقائية كانت تحظى بها إسرائيل وحدها سابقًا، لكن شيئًا فشيئًا بدأت إيران تشرب من نفس زجاجة العسل الإسرائيلية.