×
محافظة المنطقة الشرقية

مويز: روني يتمتع بموهبة القيادة ويقترب من أساطير مانشستر يونايتد

صورة الخبر

على الكاونتر الأمامي لفرع إحدى الشركات العالمية العابرة للقارات في مجال الأطعمة السريعة، يقف خليل منهمكا قبيل منتصف المساء، بعد أو في نهاية ساعته التاسعة من العمل اليومي المتواصل. وفي المفارقة اللافتة أن المرحوم – بإذن الله ـ الوزير غازي القصيبي وقف قبل تسع سنين بالتقريب، وبالمقاربة أيضا وهو يلبس ذات لبس خليل السعودي الذي شاهدته عليه الليلة قبل الفارطة. وكنا يومها نظن أنها مزحة ثقيلة من معالي وزير العمل، آنذاك، أن يقف بنفسه ليبشر بجيل سعودي جديد يقبل حقائق الواقع الجديد، ويعمل نادلا أو بائعا في مطعم، أو حتى في غسيل الأشواك والصحون؛ لأن هذه المهنة في الثقافة السعودية الفوقية كانت حكرا على أخبار شاردة لبعض أصحاب يتندرون بها علينا حين يرون أنهم اضطروا إليها ذات يوم من دراسة الغربة في عوالم الغربة لتأمين بعض مستلزمات حياتهم اليومية. والحق أنني درست مثلهم مغتربا سنين طويلة، وعدت بعدها حيا سنينا أطول ولله الحمد، ولكن الحقيقة أنني أسجل في هذا المقال حدثا شخصيا لن أحتفي به، ولن أمزح به أيضا، وأنا أستلم ما قبل البارحة مع الصغيرين محمد وخلدون أول فطيرة برجر من يد سعودي، ولربما تأخرت بي مثل هذه التجربة؛ لأنني بشكل شخصي لست من رواد هذه السلاسل من شركات الأغذية السريعة في الفترة الأخيرة. وقد يلتقط البعض منكم من سطور ما كتبت بعاليه جملة قلت فيها: إنني لن أحتفي ولن أفرح، بالوقوف أمام خليل لا انتقاصا من مهنة شريفة، ولكن في وجه الظروف والبيئة العملية التي دفعنا بها مثل هؤلاء الشباب إلى القبول بمثل هذه الوظائف دون توفير حتى الأدنى من الاشتراطات الجوهرية التي تجعل من القبول بها مغريا، بل لست مبالغا إن قلت: أنْ نقاتل حتى نجعل من إغراء هذه المهن ميزة اجتماعية واقتصادية. يعمل خليل في مدينة سعودية صغيرة، ومثلما قال لي: يكمن التحدي أمامي في العمل أن زبائني في المطعم كبائع أو نادل، هم أصدقاء الحياة وزملاء الطفولة، ومجايلي مرحلة طويلة من الدراسة. هذا ـ كما قال بالحرف ـ يجعلني في حرج دائم عندما تأتي هواجس المقارنة في مجتمع متشابك العلاقات، وهو ما يدعوني إلى التفكير: كيف أشقى ليسعد هؤلاء؟ ولماذا حكمت علي ظروف الحياة وظروف أسرتي ألا أكون مثل هؤلاء الأقران بالضبط؟ وبكل تأكيد سيعد البعض منكم مثل هذا الإيحاء سقطة اعتبارية من كاتب مثلي، ولكن تبقى الحقيقة أن ما سمعته من خليل في خلوتي الجانبية معه ما قبل البارحة، يجعل من هذه الحقائق واقعا مؤلما في عالم ثقافة العمل ونوعه وبيئته، ولن ينكر إلا بتجاوز أن هذا توصيف الثقافة السعودية. خذ في المثال المقارب الآخر؛ عنوان هذه الصحيفة قبل ما يقرب من أسبوع أن جامعة سعودية تعمل على توظيف سعوديات على عقود عمال النظافة بألف وخمسمئة ريال في الشهر، والخبر مثال حي لتزاوج المهنة مع مثل هذا الأجر الرخيص جدا، ولعله ـ لمثل هذه الشواهد وبسببها ـ تبقى حركة الرفض الاجتماعية لمثل هذه المهن، تجد الوقود المناسب للتبرير والرفض. لا يمكن لـخليل، ولا للسعودية الأخرى العاملة بعقد للنظافة داخل جامعة أن يشعرا بالأمان الوظيفي على الإطلاق؛ لتحالف المهنة وطبيعتها، مع خراجها من الأجر الزهيد نهاية الشهر. تبلغ معدلات المبيعات اليومية، حيث يعمل خليل ما بين 40 ـ 50 ألف ريال في اليوم الواحد، وهذا يعني أن جملة المبيعات تصل إلى الملايين العشرة بالتقريب أيضا في نهاية العام. المشكلة أن خليل وأقرانه في مثل هذه الشركة العابرة للقارات لا يجدون أنفسهم بالتشبيه سوى مكائن آلية لعد الأوراق النقدية، تماما مثل تلك الأجهزة التي نجدها في العادة على يمين موظف البنك. بين فارق المبيعات الهائل، وبين الرواتب الرخيصة في مثل هذا النوع من القطاع الخاص، تبدأ الفكرة الطبقية الهائلة التي لم نواجهها بالقوانين، بين شركة كبرى لمستثمرين يقبضون الملايين، وبين شباب لا يجدون عدالة قانونية تفرض على مثل هذه الشركات راتبا مجزيا، وبيئة عمل مناسبة. بأقل من خمسة عشر ريالا للساعة، يعمل خليل تسع ساعات في اليوم الواحد، بينما تفرض عليه الشركة أن يخدم 40 زبونا في المعدل في الساعة ذاتها. ومع الزمن سيتعلم خليل نسبة ما ترسله يداه من النقود إلى الشركة، في الساعة ذاتها، وسيقارنها ـ حتما ـ بنسبة ما يعود إلى جيبه من الفتات. بهذه المقارنة تبدأ لديه هواجس التفكير في البناء الطبقي الاقتصادي وهنا نحن لا نبني لـخليل مستقبلا، ولا وظيفة، بل منه ومن أقرانه آلات مبرمجة للرفض والكراهية. نحن نتحدث عن شركة عولمية هائلة، لا عن دكان خضار، أو بقالة في طرف شارع ثانوي. الوطن