×
محافظة المنطقة الشرقية

بطولة ودية في ختام معسكر الجوجيتسو

صورة الخبر

قد تخطفك من بين ملايين الصور التي تعبر الشاشة بين نشرات الأخبار، صورة واحدة، لم تر مثيلاً لها من قبل. تأسرك وأنت لا تعرف سرّها، أو لغزها ولا تستطيع أن تفسر لماذا هذه الصورة بالذات هي التي تنطبع في ذاكرتك، بتفاصيلها الفريدة، التي أزاحت كثيراً من الصور واللوحات الأثيرة والجميلة، واستقرت في جزء من الثانية في إطار في فضاء لا حدود له، بألوان لا أسماء لها في اللغات والمعاجم. وتظن أن هذه الصورة لم يلتقطها أحد مصوري الروائع، فهي التي صورت نفسها، وهي ليست ملكاً لأحد، ولا يمكنك أن تنقل ملامحها إلى الآخرين بالكلمات أو الخطوط، لأن لها ما يشبه حركة البرق، مصحوبة بهدير الرعد المتصاعد في ذروة أوبرا لعبقري مجنون. تتحول ألوان هذه الصورة مع ساعات الليل والنهار، تتحرك من دون أن تفقد ملامحها، تهتز ولا تسقط، تبتعد إلى خط الأفق، وتقترب من بؤبؤ العين، وتلامس الوجه، لترى فيها تفاصيل التفاصيل التي تختفي ثم تعود إلى تلك الشاشة التي قفزتْ منها لتطاردني وتخطفني، وتأسرني، بين حين وآخر، ومع ذلك كنت أحاول الفرار منها، واخترعت ألعاباً بهلوانية، وقرأت كتباً غريبة، ومنها: مذكرات لا أحد، القلب هو الصياد الوحيد، الإنسان يصلح كوكبه، كتاب الجنون، أربعاء الرماد، عواء، مدن الخيال، العطر، طبائع الاستبداد، القوقعة، نزهة الخاطر، الضحك والنسيان، وانتقلت إلى إعادة مشاهدة خلطة أفلام حب ورعب، ومنها: العام الماضي في مارينباد، حسناء النهار، سايكو، الطاحونة الحمراء، السمكري الخياط الجندي الجاسوس، الطيور، المواطن كين، متروبوليس، أسبوعي مع مارلين، راشومون، الليلة الأميركية، عربة اسمها الرغبة، صوت الموسيقى، الرقص مع الذئاب، الحياة حلوة، حظيرة الخنازير. وأضفت إليها كتباً وأفلاماً أخرى ممنوعة ومهربة من لبنان، ولم أستطع الانفلات من هذه الصورة الفاوستية الملغزة، وقبل أن أستسلم، بحثت عن السهم الأخير في جعبة الصياد التائه في الغابة، وافترضت أن هذه الصورة مركّبة من صورتين من الشاشة وصورة من الذاكرة، بطريقة الطبع المزدوج، وشرعت في تفكيك الخطوط والألوان المتقاربة، برسمها على الورق. كانت الصورة الأولى لبناية سكنية جميلة من خمسة طوابق، تعرضت للقصف مرات عدة، فانهارت كل جدران الواجهة على الرصيف وفوق السيارات والناس، وبقي نصفها الخلفي لوحة جدارية عملاقة، والصورة الثانية لرجال ينتزعون طفلة سليمة من تحت الأنقاض، بينما كانت الصورة الشفافة الآتية من الذاكرة تمتد فوق الصورتين، على ارتفاع خمسة طوابق، وهي لوجه امرأة ساحرة، أعرفها جيداً، ولم أصدق أنها قتلت في الصباح الباكر، وهي تشرب القهوة، في الشرفة العالية في الطبقة الخامسة، وتذكرت وجهها المشرق بالحب والحرية والجمال، وهو الذي كان أساس اللغز في الصورة المركّبة، وصرخت «وجدتها».