صدر أخيرا عن دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة كتاب بعنوان «An Alexandria Anthology»، وهو عبارة عن مختارات من كتابات أدبية وتاريخية باللغة الإنجليزية عن الإسكندرية، قام بتحريرها المؤرخ البريطاني عاشق الإسكندرية مايكل هاج، وهو ناشر النسخة البريطانية من كتاب إ. م. فورستر «الإسكندرية.. تاريخ ودليل» عام 1982 بمقدمة كتبها الأديب الإنجليزي لورانس داريل، صاحب «رباعية الإسكندرية». يقع الكتاب في 158 صفحة من القطع الصغير، وفيه يأخذنا هاج لرحلة في حنايا التاريخ عبر القرون السحيقة، حيث الإسكندرية الأسطورية ومراحل تطورها التاريخي، وحتى أفول نجمها واختفاء المدينة العالمية، وذلك عبر مقتطفات أدبية مختارة بعناية لأشهر الرحالة والمستشرقين والكتاب والأدباء والشعراء والشخصيات الذين عاشوا أو زاروا الإسكندرية من مختلف الجنسيات منذ عام 331 قبل الميلاد وحتى عام 2004، من بينهم المؤرخ اليوناني سترابو، وعمرو بن العاص، وابن جبير، ابن بطوطة، وأنطوني دو كوسون، ولورانس داريل، وفورستر، وكفافيس، والكونت باتريس دو زوغيب، والأديب الفرنسي جان كوكتو، والكاتب اليهودي السكندري جاستون زنانيري، ونجيب محفوظ، والروائي الأميركي مارك توين، وغيرهم. قسمت المقتطفات الأدبية إلى 7 أجزاء، وهي تمثل روائع من أدب المكان عبر العصور وتعتبر تاريخًا إنسانيًا للإسكندرية وتحولها إلى «مدينة الذكريات»، كما أطلق عليها هاج، تقف على أطلال عصرها الذهبي الذي امتد لأكثر من 2000 عام. ويتكشف من مقالة لأخرى سحر وغموض الإسكندرية وكيف كانت بالفعل مدينة أسطورية بهرت كل من زارها من الرحالة والمستشرقين والمؤرخين، على اختلاف جنسياتهم. يقول هاج في مقدمة كتابه بلغته الشاعرية: «لما يقرب من ألف عام وبعد أن أسسها الإسكندر الأكبر 331 ق. م. كانت الإسكندرية أحد أهم المراكز الثقافية والحضارية في العالم.. مدينة عالمية وكوزموبوليتانية، وظل موسيون الإسكندرية ومكتبتها الشهيرة التي كانت جزءا منه، وفنارها العظيم رموزًا للتنوير حتى يومنا هذا». ويبدأ الكتاب في سرد حكاية الإسكندرية بقلم الفيلسوف اليوناني بلوتارخس، حينما راودت الإسكندر المقدوني رؤية عن جزيرة تدعى فاروس لها ميناء عظيما في مصر. يليه وصف المؤرخ والجغرافي اليوناني سترابو للإسكندرية في القرن الأول الميلادي، إذ يقدم وصفًا دقيقًا للحي الملكي والموسيون والميناء الشرقي العتيق، والتيمونيوم الاستراحة الملكية لأنتوني، وغيرها من المعالم التاريخية للعالم القديم. وتذهب المختارات السكندرية لما هو أبعد من التغزل بجمال المدينة وتصف طبائع أهلها وسلوكياتهم، ومنها ما كتبه ديو أوف بروسا، وهو خطيب وفيلسوف يوناني ومؤرخ للإمبراطورية الرومانية. فيما يتحدث المؤرخ الإنجليزي أنتوني دي كوسون (1940 - 1883) وهو مكتشف آثار بحيرة مريوط، عن عادات السكندريين وثقافة الاستمتاع بالحياة حيث كان من عاداتهم قضاء العطلات على شاطئ البحيرة يبحرون بقواربهم ويتغنون بالأهازيج خلال الإبحار. وإلى إسكندرية العصور الوسطى، ودخول الإسلام لمصر حينما فتح عمر بن العاص مدينة الإسكندرية عام 642م، حيث يشير هاج إلى انبهاره بالمدينة وقصورها وتخطيطها حيث كتب: «لقد استوليت على مدينة كل ما يمكن أن أقول عنها أنها تحوي 4000 قصر، 4000 طريق، 400 مسرح، 1200 محل للخضر، 40 ألف يهودي». ويكشف الكتاب بداية قدوم الرحالة الأوروبيين للإسكندرية في القرن السادس عشر، ويأخذنا عبر كتابات الرحالة الإيطالي بيرجيرنو بروكاردو عام 1558 الذي يصف المدينة قائلا: «أعمدة الإسكندرية الضخمة التي لا مثيل لها في أي مكان آخر. بينما تحدث الرحالة الإنجليزي ريتشارد بوكوك الذي زار الإسكندرية عام 1737م، عن أسوارها الشاهقة ونخيلها السامق وعن الحي الملكي وصهاريجها التي تختفي تحت كل شبر في أرجائها، وقبر الإسكندر الذهبي والذي لم يعثر إليه إلى الآن». ونرصد من خلال ما كتبه الرحالة الاسكوتلندي جيمس بروس عام 1768م، تدهور المدينة واختفاء صفة الأسطورية عنها، فكتب: «يمكن لكليوباترا أن تتوه في مدينتها، جراء التشويه الذي حدث لمعالم المدينة كليوباترا، إذا عادت للحياة مرة أخرى، فإنها ربما بالكاد تتعرف على مكان قصرها الملكي.. لا يوجد شيء جميل أو مبهج في الإسكندرية». وتحت عنوان «إحياء الإسكندرية في عهد محمد علي»، يذكر هاج دور محمد علي باشا الذي أصبح واليًا على مصر عام 1805، بأنه أخذ على عاتقه بناء مصر الحديثة، فاستقدم الأوروبيون ورؤوس الأموال والخبراء في كل المجالات. ومن المفاجآت التي يطرحها الكتاب هي زيارة الكاتب والروائي الأميركي مارك توين للإسكندرية، وتحت مقالة بعنوان «الأميركان في جولة 1867م»، كتب توين: «حينما وصلنا وجدنا جيشا من الصبية المصريين معهم بغال ينتظرون المسافرين، فقد كانت البغال هي وسيلة المواصلات في مصر. كنا نفضل السير لكننا لم نكن لنعرف طريقنا.. وجدنا الفندق وكنا سعداء بمعرفة أن أمير والاس كان هنا ذات يوم..خرجنا للتجول في المدينة ووجدنا مدينة ذات مبانٍ تجارية كبيرة وشوارعها رائعة مضاءة بمصابيح الجاز.. في المساء هي أشبه بروعة باريس». ويشير توين إلى انبهاره بآثار المدينة الفرعونية والإغريقية وكيف أن أعضاء الوفد الأميركي انبهروا بعامود بومباي الذي يعود للحقبة اليونانية الرومانية، وبمسلات كليوباترا التي ذهبت إحداها الآن إلى ميدان التايمز الأميركي. يأخذنا هاج بعد ذلك إلى الإسكندرية الكوزموبوليتانية، ويجول بنا في شوارعها العتيقة يوم كانت لغات العالم تسمع في المقاهي والشوارع وبين الباعة الجائلين، حيث كتب المؤرخ الإيطالي بريتشا واصفا المدينة بأنها مدينة التسامح والمحبة، وذلك عام 1922 حيث اشتهرت بتنوع الأعراق والجنسيات والأديان واللغات، كل منهم متمسك بمثله وعاداته وتقاليده وانتماءاته السياسية لكن الجميع يحترم بعضهم البعض. وكتب عنها داريل: «الإسكندرية تطل على بحر حالم، فأمواجه الهوميرية تتدافع وترتد، يحركها النسيم العليل من رودس وبحر إيجه. إن التنزه على شاطئ الإسكندرية يشعرك على الفور وكأنك تسير على حافة الهاوية». بينما كتب الشاعر اليوناني كفافيس عن المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية عام 1891، ومبادرة أهل الإسكندرية للمساهمة في إثراء مقتنيات المتحف بما لديهم من مقتنيات أثرية أو آثار عثروا عليها أسفل بيوتهم، حيث كانت آثار الإسكندرية القديمة. وكتب أيضًا عام 1920م: «أين يمكنني العيش بشكل أفضل؟»، كما كتب مجموعة من الأشعار والقصائد الخالدة التي ما زالت تمثل إرثا ثقافيا يخلد الإسكندرية بكل لغات العالم التي ترجمت إليها قصائده. ويختتم الكتاب بالحديث عن حقبة الحرب العالمية الثانية، ثم تمصير الإسكندرية، حيث وضعنا هاج أمام مناظرة أدبية رائعة بين كلمات الأديب الإنجليزي لورانس داريل، والأديب الفرنسي جان كوكتو، والأديب المصري نجيب محفوظ، ليجعل القارئ أمام ثلاثة من كبار الأدباء سجل كل منهم انطباعه عن الإسكندرية في كلمات خالدة.