×
محافظة المنطقة الشرقية

بحث في توصيات دراسة «التسول»

صورة الخبر

يستقطب العمل الموسمي مئات الآلاف من الطلاب والتلاميذ في الجزائر الذين يقضون عطلهم في السعي لجني المال لمواجهة مصاريف السنة الدراسية الجديدة. ويكتسح طلاب وطالبات الجامعات والثانويات المحال التجارية للألبسة والأحذية ومواد الزينة في المدن الكبرى ويعملون مدة تصل إلى عشر ساعات يومياً مقابل 18 ألف دينار شهرياً، أي ما يعادل 660 درهماً، وهو الحد الأدنى المضمون للأجور، ويمنع القانون التشغيل دونه. ويتهافت هؤلاء على فرصة عمل لتعويض عمال وعاملات يخرجون في عطلهم السنوية، فيما يلتحق المحظوظون بمدارس خاصة تقدم دروس دعم لمستويات الأطفال خلال العطل وكذا الدروس التطبيقية في استعمال الإعلام الإلكتروني والإنترنت وإتقان اللغات الأجنبية وغيرها. تشتغل فرح، طالبة في السنة الثالثة بكلية الإعلام، في محل لبيع الألبسة النسائية وترى أنها في عطلة، لأن الشغل غير متعب في محل مكيف. ويسعدها كثيراً لقاؤها بالزبونات وسماع رغباتهن. تقول هي في النهاية تجربة جديدة وألتقي بنساء من فئات وأوساط مختلفة تتنوع أذواقهن ومستوياتهن الاجتماعية. وأجد متعة في محادثتهن حول الموضة. ووجودي في مثل هذا الوسط أفضل بكثير من بقائي في البيت طوال العطلة مع مسلسلات ومناوشات وملل. أما عمر، وهو أيضاً طالب في كلية الإعلام، فيقول أشتغل ولا أشعر بأنني ضيعت عطلتي. وأنا هنا أمارس عملاً بشكل تسلية وأحصل على مال، لا أتصور وضعاً أحسن من هذا. أما طلاب وتلاميذ الأرياف فهم أقل حظاً من نظرائهم في المدن بكثير، إذ لا تتوفر لهم فرص العمل في الظل بما فيه الكفاية. وينتشر كثير من البنين والبنات على الطرق الريفية بمختلف أنحاء الجزائر يعرضون أنواعاً من المأكولات تحضرها أمهاتهم في البيوت ومنها خبز يسمى محلياً خبز الطاجين أو الرخساس أو الكسرة بحسب المناطق. ويعرض آخرون المحاجب وهو أيضاً نوع من الخبز يحضر برقائق من العجين تحشى بخضر مقلية مثل البصل والطماطم والفلفل والسلق والتوابل، ويقبل عدد كبير من الناس على شراء المحاجب لأن تحضيره صعب ومتعب ويخضع لتقنيات خاصة لا تحسنها إلا النساء المدربات. كذلك، تعرض عشرات الأنواع من الحلويات المنزلية التي تحضر بعناية فائقة لمواجهة المنافسة الشرسة التي تفرضها كثرة العرض. على الطريق بين تيبازا والعاصمة وعلى امتداد 70 كلم، يقف يومياً أكثر من 200 فتى وفتاة بين العاشرة والسابعة عشرة من العمر وفي أيديهم معروضاتهم يلوحون بها على المارة بسياراتهم. وتغري تلك المأكولات الكثيرين فيتوقفون على حافة الطريق لاختيار البضاعة التي تروق لهم. وفي بعض الأحيان تقع مناوشات بين الأطفال العارضين حين يحاول أحدهم استدراج زبون وقف عند سلعة الآخر. ويتسابق عشرات من الأطفال منذ الصباح الباكر على احتلال الأماكن الاستراتيجية على قارعة الطريق لإشعال النار وشي الذرة وتقديمها للاستهلاك الفوري، كونها تؤكل مباشرة بعد إخراجها من النار وغطسها في إناء من الماء المالح. ويتعامل الأطفال في هذه الحالة مع المزارعين، إذ يحصلون على الغلة صباحا ويدفعون ثمنها مساء عند نهاية العمل. وتعج الشواطئ الجزائرية بمئات وربما بآلاف من الباعة الصغار يحملون الحاويات الصغيرة الحافظة للبرودة وهي معبأة بمشروبات وأنواع المثلجات المختلفة يجوبون الرمال حفاة ولا يكادون أن يتوقفوا عن الإعلان عن بضائعهم. بعض هؤلاء يشتغل لحسابه وكثير منهم يشتغل لحساب أشخاص يدفعون لهم في نهاية النهار نسبة من الأرباح المحققة. ويوجد في بلدة زيرلدة الواقعة على نحو 30 كلم غرب العاصمة، وهي بلدة سياحية، رجل في الثامنة والأربعين يدعى مصطفى يشغل ثلاثين طفلاً تتراوح أعمارهم بين 12 و16 سنة يُحملِهم كل صباح بحاويات التبريد لتوزيع منتجاته على الشاطئ العامر من مايو/أيار إلى بداية أكتوبر/تشرين الأول. وقال فريد، التلميذ في المدرسة الإعدادية نجحت في امتحان شهادة التعليم الأساسي بمعدل 13 من 20 وأنا بصدد جمع المال الذي أحتاجه لدخول المدرسة الثانوية. فريد يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً وهو أبيض البشرة لكنه صار مع تعرضه اليومي للشمس الحارقة شديد السمرة كما لو أنه من سكان الصحراء، بدأ يشتغل عند مصطفى بعد آخر أيام الامتحان في منتصف يونيو/حزيران الماضي، ويحصل كل يوم على ما بين 800 وألف دينار جزائري (20 إلى 37 درهماً) وهذا المبلغ حين يتراكم مدة شهرين يمكنه من تلبية كل حاجاته المدرسية ويمكن كذلك أن يساعد الأسرة. هذا الفتى نموذج لأولئك الذين يشتغلون عند صناع المرطبات والمبردات، يأخذون البضاعة ويدفعون بعد بيعها مقابل حصولهم على نسبة أرباح. ويوجد نوع آخر من العمل يستقطب أطفال المدارس في الريف وقت العطل، وهو جمع المحاصيل والثمار على الشريط الساحلي وكذلك في الأراضي المستصلحة بالصحراء، ففي هذا الموسم تكثر حاجة ملاك الحقول والبساتين لليد العاملة كون الثمار من خضراوات وفواكه تنضج كل يوم وتحتاج لمن يقطفها وإلا تضيع. في الطارف مثلاً، وهي ولاية ريفية صغيرة تقع في أقصى شمال شرقي البلاد، يشتغل نحو ألف طفل معظمهم من التلاميذ في الصيف بجمع الطماطم التي تحول إلى سبعة مصانع بالولاية. ويتوزع الأطفال على عشرات من الضيعات التي يسيرها أشخاص يشغلون الأطفال من دون ترخيص ومعظمهم يعلم أن القوانين الجزائرية تمنع تشغيل الأفراد دون الثامنة عشرة، لكنهم يتعمدون باعتبار أنهم يعلمون بالمقابل أن السلطات تغض الطرف عن تجاوز القوانين في مثل هذه الحالات، فالأطفال هنا يشتغلون لمساعدة عائلاتهم المحرومة، ووجودهم في الشغل يقيهم من الانحراف وممارسة أنشطة خطيرة على المجتمع. وتعيش في هذه المنطقة مئات من العائلات في أحياء الصفيح الحديدية الفقيرة التي ترزح في أسفل السلم الاجتماعي، ومنها معظم الأطفال الذين يشتغلون في هذه المزارع. عائلاتهم لا تقوى على تغطية تكاليف دراستهم، ومن دون تشغيلهم في مواسم العطل يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة المدرسة. في إحدى الضيعات كانت مريم الشقراء ذات 13 عاماً تجمع الطماطم مع فؤاد ومحمد الأمين ومجموعة من الرجال البالغين، ذراعاها الرقيقتان تحملان قفة بوزن عشرة كيلوغرامات تنقلها من مسافة خمسين متراً إلى المكان الذي يجمع فيه المنتوج ويعبأ في الصناديق البلاستيكية لينقل إلى المصنع. قالت مريم إنها تشتغل ما بين ثماني وعشر ساعات يومياً وتحصل كل مساء عند نهاية الشغل على ألف دينار جزائري مثلها مثل باقي زملائها في الشغل. وتوضح أن عملها شهرين يمكنها من جمع ما تواجه به بداية الموسم الدراسي، رغم أن عملها وفي موسم حر، لكنها عرجت على المساعدات التي تقدمها الدولة عند بداية كل سنة دراسية للتلاميذ المحتاجين المنتمين للعائلات ذات الدخل البسيط أو تلك التي لا دخل لها وهي كثيرة في المحيط الذي تقطن به مريم. وقال مالك المزرعة إنه يعطف على هؤلاء الأطفال الفقراء فيقبلهم للعمل مع أن مردودهم أقل من مردود البالغين. وبالمقابل فإنه يدفع لهم أقل مما يدفع لغيرهم من العاملين في الحقل، لأن أجر البالغ اليومي يصل إلى 1500 دينار أي ما يعادل 15 دولاراً. وفي منطقة القبائل، يعرض الأطفال على الطريق العمومية في فصلي الشتاء والربيع زيت الزيتون معبأ في زجاجات، بينما يبيعون في الصيف والخريف مختلف أنواع الفاكهة التي تجود بها بساتين المنطقة خاصة الكرز والتين والتين الشوكي والعنب بأنواعه العديدة. ولئن كانت هذه أهم المهن التي يقوم بها أطفال المدارس الفقراء الذين يستغنون مكرهين عن عطلهم، فإن الكثيرين يشتغلون أيضاً في أمور أخرى في المقاهي والمطاعم وورش البناء وحافلات وشاحنات النقل وما إليها. هؤلاء أطفال بلا عطل لا شك أنهم يحلمون بالخلود إلى الراحة بعد موسم دراسي شاق في أغلب الأحيان. لكن المهم بالنسبة لهم وهم في وضعهم هذا هو إيجاد فرصة عمل موسمية لجمع نصيب من المال يسدون به حاجتهم العاجلة، في انتظار عطلة أخرى وشغل موسمي آخر.