إيران «دولة راعية للإرهاب» ليس لأنها مدرجة على لوائح وزارة الخارجية الأمريكية بهذا الوصف. فهذا يمكن أن يُرفع بصفقة ما، فتصبح إيران حمامة سلام، وتستحق الحصول على جائزة نوبل للأعمال الخيرية!!. إيران «كيان» راع للإرهاب لسبعة أسباب أخرى على الأقل يجدر أخذها في الاعتبار بوصفها جذر الإرهاب ومصدره الأساس، لاسيما وأنها أرست السابقة الأولى في التاريخ التي ترهن دولةً بمشروعٍ طائفي. أولا، الدولة في إيران جهاز غائب أو مُعطَل. في المقابل، هناك نظام ثيوقراطي قائم بطبيعته على نقض الدولة وعلى تسخيرها لخدمة أغراض لا علاقة لها بمسؤولياتها كمؤسسة عاقلة لرعاية المصالح العامة. فما لدينا في إيران هو مؤسسة دينية تحكم وتمارس سلطاتها على أسس أديولوجية قائمة على انتظار «المهدي المنتظر» وعلى تمثيل وهمي له. بكلام آخر: إنها سلطة تنتظر وهما، وتقول إنها تمثله وتنوب عنه، وتحكم بموجب تصوراتها عن نظامه. وثانيا، الكيان الإيراني لا يعرف لنفسه حدودا نهائية. فإيران الجغرافية بالنسبة له مجرد قاعدة للتوسع، مثلها مثل الموصل ودير الزور بالنسبة لدولة داعش. وهو كيان يحرص على صنع خرائط جديدة على أساس طائفي. ووفقا للطبيعة الأيديولوجية فإن «دولة المهدي المنتظر»، مثل «دولة داعش» تشمل العالم بأسره. وثالثا، المشروع الطائفي هو بالأحرى مشروع لقنبلة أوسع دمارا من أي قنبلة نووية. فبإقامة شروخ داخل المجتمع، وبالغاء الهوية الوطنية وإعادة تركيب الهويات على أسس طائفية، وبتحويل الاستقطاب الاجتماعي نحو تمييز الفوارق وتعميقها، فإن الحرب الأهلية (بالكلام أولا، ثم بالعنف المؤدلج، ثم بالتحصين المليشياوي) سوف تصبح نتيجة «طبيعية». اليابانيون تغلبوا (كشعب واحد) على آثار قنبلتين ذريتين في نهاية الحرب العالمية الثانية. إلا أنه لا يمكن لأي شعب أن يتغلب على قنبلة تنفجر في كل بيت، وضد كل جار، وتكفر كل مواطن، وتجره بعيداً عن هويته ومواطنيته. ورابعا، الكيان «الإمامي» الإيراني يوكل لنفسه مهمات تمثل انتهاكاً لكل قيم القانون في العلاقات بين الدول. ومثلما لا يحترم كيان داعش قيم القانون الدولي، ويسخر منها، بل ولا يطلب منها اعترافا، فإن كيان «إمامش» الإيراني يتمدد ويخترق سيادة الدول ويرسل إليها مليشيات في واحدة من أكبر السخريات ضد كل قيمة عرفها المجتمع الدولي، بل أنه لا يحترمها ولا يطلب منها اعترافا أيضا، لأنه يملك تخويلا من مرجعية «إمامية» أعلى. وخامسا، الكيان الإيراني لا يستطيع العيش من دون تمدد (يسمى «تصدير الثورة»). فلو جاز لـ»الثورة الإيرانية» أن تتوقف عند حدود إيران، فإن المهدي المنتظر سوف يزعل. ولو جاز لهذه الثورة أن تكتفي بإيران، فإن المشروع الذي يشكل كل تصورها للوجود سوف يتضعضع. ولو جاز لهذه الثورة أن تنحصر مهماتها بإيران وحدها، فانها سوف تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة مستلزمات بناء دولة، الأمر الذي يعني أن الثورة لن يمكنها أن تبرر لنفسها الفشل بسبب انشغالها بقضايا «مقدسة». سادسا، الكيان الإيراني كيان مليشياوي أصلا. انظر في خارطة التكوينات العسكرية الإيرانية، وصلاحياتها وممتلكاتها وأدوارها، وستعرف أنك تقف حيال دولة إرهاب داخلي وخارجي في آن معا. فمن فيالق الحرس الثوري (باسداران)، الى قوات التعبئة الشعبية (الباسيج)، إلى وزارة الاغتيالات (المخابرات والأمن) (إطلاعات) إلى غيرها من التشكيلات شبه العسكرية، فقد نجحت «الثورة الإسلامية» المزعومة في إيران في بناء نظام مليشياوي لحماية نفسها حتى من الجيش الرسمي نفسه. سابعا، لئن كانت إيران هي «دولة المشروع الطائفي» الأولى في التاريخ المعاصر، فإنها تعمل من أجل أن تنشئ أنظمة طائفية تكون على غرارها أنظمة مليشياوية. انظر إلى العراق، وسترى بوضوح الطبيعة المليشياوية للكيان العراقي الجديد. إنه لم يعد دولة، ولا بأي صورة من الصور، ومواطنوه ما عادوا «عراقيين» وإنما «سنة» و»شيعة» و»أكراد» و»تركمان» و»مسيحيين»... إلخ. لقد تم قتل «الشعب العراقي» ليتم على جثمانه إنشاء نظام مليشياوي لكل طائفة من الطوائف. والإرهاب هو نفسه الإرهاب القائم على تكفير الآخرين وجواز قتلهم جملة وتفصيلا. ولكن بينما يمكن أن يلتئم العالم بأسره لإزالة دولة «الخليفة» الداعشي أبو بكر البغدادي، فإن أحداً لا يذهب ليطالب بإزالة دولة «نائب الإمام المنتظر»، رغم أنها تستند الى الأساس نفسه.