بات معروفا أن الجودة تتناسب طرديا مع السعر فكلما ارتفعت الجودة زاد السعر، بهذا المنظور أصبحنا نقيم احتياجاتنا فاستغل هذا المفهوم إلى درجة إلغاء ذلك الارتباط المهيمن في أذهان المتحذلقين بتلك العبارة عندما انزلق كثير من المتسلقين عليها بمضاعفة أسعارهم جريا وراء المهضوم من الأفكار حتى ولو كانت لا تستند على واقع، وصار من المألوف أن نجد بضاعة شرق آسيوية في الوكالات الأوروبية وتباع بنفس السعر وهذا نوع من أنواع الغش والتدليس المظاهر بالعلنية لأنه مكتوب عليها المصدر ولكن ثقة المستهلك جعلته يتناسى الفروق ويغض الطرف لقناعته بصدق الاختيار. ومن ارتفاع الحمى السعرية لجأ الأشخاص الأقل قدرة على مجاراتها إلى الأسواق العامة والشعبية، وهذا يعني أن الأمر لا يخص صنفا بذاته وإنما يشمل عموم المعروض من السلع سواء أكانت ملابس أو كماليات أو أغذية حتى فقد الجادون مصداقيتهم ودفعوا بإعلاناتهم المتكررة للصحف لمجرد الإيضاح. وهنا ما يعزى إلى رواج البيع على الأرصفة، وهنا يجب إثارة التساؤل وعلامة التعجب.. هل هؤلاء مشمولون بالأنظمة والرقابة بكل أشكالها الصحية والأمنية والتجارية حيث أصبح الرصيف متجرا مشاعا يمارس فيه كل أصناف التجارة من ملابس وأحذية وأجهزة الكترونية ومواد رياضية، وأغذية وهنا مربط الفرس.. غذاؤنا على الأرصفة؟ عجبي ! بالرغم من كل ما نعانيه من ظروف الطقس تباع الطماطم والبطيخ والسمك والروبيان والكمثري والخوخ على الرصيف وأي رصيف هو ذاك أن الرصيف المحاذي لمساحة ترابية تمكنه من نشر بضاعته. يا للهول.. أتربة مشبعة بكل أنواع الميكروبات تغلف أغذيتنا! هل حقا أن ذلك في مدينة حضرية لديها من الأجهزة الرقابية الكفيلة بالحد من هذا التصرف ولديها من الأجهزة الأمنية ما يمنع هؤلاء المخالفين من التجاوزات. ولو نظرنا لها من كل الزوايا الحضارية والأمنية والصحية فسنجدها تثير ألف سؤال عن أسباب هذا التهاون في التصدي لها، فهي من الناحية الحضارية لا تنم عن دولة الرفاه والمدينة المتحضرة التي نعيشها في ظل الخطط التنموية الطموحة في مسايرة التقدم ومن الناحية الأمنية فهي فرصة لكل مخالف للأنظمة من هارب إلى متخلف. أما من النواحي الصحية فحدث ولا حرج، حيث إن العرض في مكان غير ملائم لأجوائنا الرطبة والمغبرة والحرارة التي تصهر الحديد وما يصاحبها من أتربة ودخان وكذلك التعبئة فهي في مخلفات علب الفلين ورجيع الصناديق الخشبية، أما عن وسيلة النقل والشحن فهي في سيارات مكشوفة مغطاة بأكياس الخيش المبللة باجتهاد خاطئ ليزيد البلية بتعفن تلك الأكياس بتكرار البلل. والشيء اللافت للنظر أن هذا النوع من التجارة يمارس في مدينة لديها أفخم المخازن الغذائية وأكبر المجمعات التجارية مثل الرياض وجدة والدمام، ولا أعلم ما هو سر التغاضي عن مثل هذه الممارسات التي تشوه منجزات نفتخر بها في عالم التجارة ونحارب التخلف بكل صوره ونزيل المعوقات بقدر المستطاع وها نحن سندخل النظام الالكتروني الشامل على أنظمتنا ونتعامل مع الانترنت وآخر مبتكرات التكنولوجيا. فكيف نسمح لهذه النتوءات أن تشوه صورتنا الحضارية وتصبح ندبة في جبين ناصع البياض. وأتمنى ألا تكون غير نفرة الحمى التي تزول بالمسكنات دون الحاجة لعمليات جراحية تجتثها من الجذور لأنها حقيقة لا تستقيم مع واقع مملكتنا الحبيبة. ورجال الدولة المخلصون في كل القطاعات قادرون -بإذن الله- على تجاوز تلك الهفوات التي لا تعكس جدية اهتماماتهم بمستقبل أفضل نحو الرقابة والسلامة والأمن.