على رغم معاناة طويلة من التعرُّض للإقصاء من المثقفين المصريين بلغت ذروتها بالفصل من عضوية اتحاد الكتّاب، على خلفية اتهام بالتطبيع مع إسرائيل، ظل الكاتب المصري علي سالم حتى النهاية مخلصاً لقناعاته المتعلقة بذلك الاتهام. وسالم الذي غيَّبه الموت مساء أمس فجأة عن عمر يناهز 79 سنة، كان يؤمن بأن «إسرائيل ليست دولة عدوة، ومن مصلحتها أن تبقى مصر قوية»، وهو ظل يردد ذلك منذ أن غرَّد خارج سرب المثقفين وعبَّر بحماسة ملحوظة عن تأييده زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إسرائيل في 1977، ثم قيامه هو نفسه بزيارة الدولة العبرية عام 1994. وكرّره حرفياً قبل وفاته بيومين، في برنامج «مانشيت» الذي يقدّمه الزميل جابر القرموطي على فضائية «أون تي في». وبحسب موسوعة «ويكيبيديا» فإن لعلي سالم المولود عام 1936 في محافظة دمياط في شمال مصر، 15 كتاباً و27 مسرحية غالبيتها كوميدية وهجائية. كان والده شرطياً يكسب بالكاد ما يكفي إعالة أسرته. وعلى رغم فقر العائلة، حاز سالم على تعليم ممتاز، خصوصاً في مجال الأدب. توفي والده في العام 1957 عندما كان سالم في الـ21 من عمره، ما أدى إلى إعفائه من الخدمة العسكرية كي يستطيع إعالة أسرته، وكان أخوه قد سقط في حرب 1948. بدأ علي سالم نشاطه بالتمثيل في عروض ارتجالية في دمياط، في خمسينات القرن الماضي، ثم عمل في فرق صغيرة، قبل أن يعيّن في مسرح العرائس التابع لوزارة الثقافة، ويتولى مسؤولية فرقة المدارس ثم فرقة الفلاحين. أولى مسرحياته التي قدّمته كاتباً محترفاً كانت «ولا العفاريت الزُرق»، ثم كتب مسرحية «حدث في عزبة الورد»، ليقدّمها ثلاثي أضواء المسرح جورج وسمير والضيف، بعد بروفات 9 أيام فقط، واستمر العرض 4 أشهر في سابقة من نوعها في ذلك الوقت. في 1963 كتب مسرحيته الأولى، «الناس اللي في السماء الثامنة»، ونشرها في 1966. وهي مسرحية شبه هجائية تروي حكاية كوكب يخضع لسيطرة طاقم من العلماء الذين يؤمنون بأن الحب مرض يجب علاجه بإزالة «غدد الحب» من أجسام الأطفال. وينظّم الواقعون بالحب انقلاباً برئاسة وزير الطب في تلك المملكة. وكانت مسرحياته اللاحقة أقرب إلى النقد السياسي، من بينها «الرجل اللي ضحك على الملائكة» (1966)، «أنت اللي قتلت الوحش- كوميديا أوديب» (1970). أما المسرحية التي اشتهر بها في العالم العربي، فهي «مدرسة المشاغبين» التي تروي حكاية معلمة تحاول تأديب صف من التلاميذ المشاغبين. ويتميز علي سالم إجمالاً بتصيّد الطرافة في جوانب المعرفة وسلوك البشر ووقائع التاريخ، وكانت كتاباته مواقف مسرحية وإن لم تكن مسرحيات بالمعنى المتداول. بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو الأولى زار إسرائيل عام 1994، وسرد أحداث رحلته ولقاءاته في كتاب «رحلة إلى إسرائيل»، الذي احتفى به الإسرائيليون كثيراً من جهة وزاد من حنق مثقفين مصريين وعرب عليه من جهة ثانية. وفي حزيران (يونيو) 2005 قررت جامعة بن غوريون في النقب، الواقعة في مدينة بئر السبع، منحه دكتوراه فخرية، أما السلطات المصرية فمنعته من تسلُّم تلك المنحة. وفاز بجائزة الشجاعة المدنية التي تقدمها مؤسسة» تراين» الأميركية، وقيمتها 50 ألف دولار وتسلمها في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 في مقر إقامة السفير الأميركي في لندن.