ش مع الأسف ليس كل ما هو مدون حقيقي، بين الحين والآخر نكتشف حقائق مسكوتًا عنها، الكثير من الوقائع التي كنا نعتبرها لا تحتمل أدنى شك قد نلحظ بعد مرور السنوات وغالبًا في الوقت الضائع، بعد أن يغيب شهود الإثبات، أنها مرتع لكل أنواع الشك. أتذكر بعد رحيل أديبنا الكبير نجيب محفوظ الذي تحل ذكراه التاسعة بعد أيام، لاحظنا وقتها أن لدينا فيلمًا شهيرًا وهو «شباب امرأة» الذي شارك رسميا في مهرجان كان قبل 60 عامًا وأخرجه صلاح أبو سيف ولعبت بطولته تحية كاريوكا وشكري سرحان، كلنا كنا نعتبر أن نجيب محفوظ قد شارك في كتابة السيناريو، لأنه في كل أحاديثه كان يشير إلى ذلك، ولم ندقق أن «التترات» لا يوجد عليها اسم محفوظ، سألت وقتها المخرج توفيق صالح وهو أصغر أصدقاء نجيب محفوظ والذين كانوا يطلقون عليهم الحرافيش، رحل توفيق قبل عامين، قال لي الأستاذ توفيق إن السيناريو بالفعل شارك في كتابته نجيب محفوظ؛ ولكن لحساسية علاقته وقتها بكاتب القصة السينمائية أمين يوسف غراب، والذي كان أيضًا كاتبًا روائيًا معروفًا، وجد نجيب أنه من الأفضل ألا يكتب اسمه صراحة في «التترات». حقيقة أخرى مؤخرًا أشار إليها أيضًا كاتب السيناريو بشير الديك على صفحته وهو فيلم «الهروب» الذي كتبه مصطفى محرم قبل 25 عامًا وأخرجه عاطف الطيب ولعب بطولته أحمد زكي، قال الديك، إنه شارك في التأليف، حجم المشاركة نفسه غير محدد هل أعاد كتابة السيناريو كاملاً أم أضاف عددًا من المشاهد؟ بينما اسمه ليس على «الأفيش» أو «التترات»، المخرج الكبير كمال الشيخ قال لي في تسجيل تلفزيوني أجريته معه قبل رحيله ببضعة أشهر أن الفيلم الشهير «الصعود للهاوية» الذي لعب بطولته محمود يسن ومديحة كامل وهو منسوب إلى الكاتب صالح مرسي؛ إلا أن الشيخ أوضح أن الكاتب الحقيقي لهذا الفيلم هو الراحل رأفت الميهي؛ ولكنه لم يستطع أن يضع اسمه على التترات لحساسية تلك القضية المرتبطة بالمخابرات. وتتعدد الكثير من الوقائع المماثلة، مثل أغنية «يا ليلة العيد أنستينا» التي يستقبل بها العرب جميعًا عيدي الفطر والأضحى المنسوبة شعرًا إلى أحمد رامي وموسيقيًا لرياض السنباطي، بينما الكثير من المراجع تشير إلى أن بيرم التونسي كشاعر والشيخ زكريا أحمد كملحن لهما في الأغنية نصيب. مثلاً قال لي الملحن محمد الموجي، إن لديه بصمات على لحنين من غناء عبد الوهاب وهما «أحبك وانت فاكرني»، و«حبيبي لعبته الهجر والجفا»، كذلك فإن الشاعر والكاتب أيمن بهجت قمر أشار إلى أن والده الكاتب الراحل بهجت قمر كثيرًا ما كان يكتب من الباطن الكثير من الأفلام والمسرحيات؛ ولكنه لا يكتب اسمه على «التترات» ويكتفي بالحصول على مقابل مادي. القضية معروفة في العالم كله ويطلقون على من يؤدي هذا الدور «كاتب الظل»، فهو يرتضي أن يحصل على أجر ولا يكتب اسمه؛ إلا أن هناك تنويعات أخرى تتم فيها الكتابة أو التلحين من الباطن لدوافع أخرى غير مادية، تلك هي ما تستحق أن نعيد توثيقها؛ ولكن سيظل في النهاية أن «التترات» في العمل الفني أو الورق المعتمد في جمعية مؤلفي وملحني الأغاني هي المرجع الوحيد المعترف به رسميًا أمام الفضاء، وما دون ذلك يظل أقرب إلى فضفضة أو كما يقولون في لبنان «طق حنك» وبالمصري «فش غل»، وهذا المقال من حقك أن تعتبره كذلك