الطلب العالمي الإجمالي على البترول غير مرن (مرونته أقل من واحد صحيح) معنى هذا ان خفض انتاج البترول العالمي الإجمالي يؤدي الى زيادة الإيرادات الكلية للبائعين في جميع أنحاء العالم. والعكس بالعكس صحيح أي أن زيادة انتاج (عرض) البترول العالمي الإجمالي يؤدي الى خفض الإيرادات الكلية للبائعين للبترول في جميع أنحاء العالم. بالتأكيد هذه الخاصية من خصوصيات البترول (الذهب الأسود) معروفة – بالسليقة – تمام المعرفة لدى منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وكذلك معروفة أيضا – بالسليقة – تمام المعرفة لمنظمة الدول المستوردة للبترول (IEA). لذا تحرص المنظمتان (أوبك ووكالة الطاقة) ان يتم التعاون بالتراضي بين الطرفين حتى لا ينفرد طرف عن غفلة من الطرف الآخر باستغلال خاصية عدم مرونة الطلب لصالحه الى درجة تضر بمصالح الطرف الآخر وبالتالي – إذا لم يتم التعاون – ستكون المعركة سجالا بينهما كمعركة شمشون مع أعدائه الغزّاويين لا تنتهي الا بموتهم جميعا حتى من هم خارج ميدان المعركة. هذه لمحة كمقدمة سريعة تلقي الضوء على خاصية من خصائص البترول بأنه سوق واحدة (كالأواني المستطرقة) تجعله فريدا من نوعه بين جميع أنواع أسواق السلع العالمية. نعود الآن لموضوعنا وهو: ما هو تأثير مرونة الطلب على إيرادات ميزانية الدول المصدرة للبترول التي تعتمد إيرادات ميزانيتها اعتمادا كليا على إيرادات البترول؟ لو أخذنا دولة واحدة بمفردها على حدة من الدول المصدرة للبترول نجد ان مرونة الطلب على بترولها مرنة (أكبر من واحد صحيح) أي بعكس مرونة الطلب الاجمالي على البترول ومعنى هذا انه بإمكانها لو خفّضت سعر بترولها أن تزيد إيراداتها لأن نسبة الزيادة في مبيعاتها ستكون أكبر من نسبة تخفيضها لسعر بترولها وبذا تزداد إيراداتها رغم خفضها لسعرها. لكن هذا لا يدوم الا أياماً معدودات لأنه من خصائص سوق البترول أيضا انه سوق فضّاح (لا يحتفظ بالأسرار) فسرعان ما يسري الخبر بين المنتجين والمستهلكين كسريان النار في الهشيم فتتناقل وسائل الاعلام المتخصصة (لأنها تتابع حركات السفن وحمولاتها متابعة يومية) خبر تخفيض دولة ما لسعر بترولها فتبدأ الدول المنتجة الأخرى في السير على خطى الدولة التي سبقتهم في زيادة انتاجها (مبيعاتها) وبالتالي لأن الطلب الاجمالي (كما قلنا أعلاه) غير مرن فستكون النتيجة الحتمية انخفاض الإيرادات لجميع المنتجين (بما فيهم الدولة التي بدأت بزيادة انتاجها) رغم زيادة مبيعاتهم. هكذا إذن يجب ان لا تنخدع دولة ما بما قد يبدو لها في الظاهر بأنها ستزيد إيراداتها بزيادة انتاجها (مبيعاتها) بشحنات اضافية خلال أسبوع أو شهر أو حتى شهرين لأنه كما رأينا سيؤدي في النهاية الى خفض إيراداتها لا زيادتها فتكون النتيجة انها تخسر بترولها وكذلك تنخفض ايراداتها فيزداد عجز ميزانيتها من غير ان تدرك بأنها هي نفسها كانت السبب الأساس في خفض إيراداتها واستمرار العجز في ميزانيتها لمدة قد تطول لسنوات إذا لم تتدارك الأمر وتدرك أنها هي السبب. الخلاصة: هذا التعارض بين مرونة الطلب التي تواجه المنتجين للبترول كمجموعة ومرونة الطلب التي تواجه المنتج الواحد هي التي دفعت أساطين الاقتصاد يراهنون في السبعينيات بأن مصير أوبك كمصير جميع أنواع الكارتل في التاريخ لن تعمر طويلا لأن كل منتج في أوبك على حدة سيلاحظ ان مرونة الطلب على بتروله مرنة فيحاول الغش بزيادة معروضه في الخفاء ليستفيد على حساب الآخرين. لكن الذي حدث هو أن دول أوبك أثبتت أنها لم تكن من الغفلة بالقدر الذي صوّره منظرو الاقتصاد. موضوع زاوية الأحد القادم – ان شاء الله – سيناقش موضوع: تغطية عجز ميزانية المملكة بين السحب من الاحتياطي وإصدار السندات.