×
محافظة مكة المكرمة

انتخابات جدة.. حضر الموظفون وغاب الناخبون

صورة الخبر

في عددها المزدوج لشهر يونيو (2015)، تنشر مجلة المسرح، الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام، بإدارة المسرح، في الشارقة، حواراً مع الفيلسوف والمسرحي الفرنسي آلان باديو، أجرتهُ معه، ماري ايلين بونافيه، ونقلهُ إلى العربية أحمد عثمان. يتناول الحوار عدداً من القضايا المسرحية، وعلاقة المسرح بالفلسفة، إذ جاء الحوار تحت باب المتابعات، وحمل عنواناً يتساءل فيه باديو: ماذا لو كان الذهاب إلى المسرح إجبارياً؟. ينظر باديو إلى المسرح كضرورة، إنه من الطيب أن يكون المسرح إجبارياً فالعالم، كما يرى، يستأهل المسرح والمسرح بدوره يستأهل العالم، لهذا فهو يجيب على سؤال حول كيف ينير المسرح المواطن بالقول: المسرح يعلم أن الظروف والأوضاع لها أهميتها دوماً، وأنه ذو ثقل، يعبر عن الضرورة، عن الغرائز، عن القيود، ولكنه يقوم بالتوضيح إجمالاً أن كل قرار وكل خيار لا يختزل بحصر المعنى في هذه القيود، ولذلك فالمسرح هو اللعبة الكبرى للضرورة والحرية، إذ يؤمن (آلان) بأنهُ لا يوجد تعليم أكثر أهمية منه. وتبعاً لذلك يرى باديو بأن لا شك في أن الموضوعات العاجلة التي يجب على المسرح تناولها بطريقة نقدية ودرامية، تسمى بـ الحالة الراهنة للديمقراطية، أي، هل يوجد نظام الحرية المعاصر؟ هل نحن في حالة اتخاذ قرار حقاً؟ ما هي القوى التي تمنعنا من اتخاذ القرار؟ وكيف يعمل الظاهر؟ وماهي أشكال الحيل، الزيف، النفاق، التي تغزو حياتنا الجمعية؟، ولا ينحصر تناول الموضوعات في هذا الجانب، بل يرى (آلان) بأن المسرح مطالب بأن يخطط ليكون صدىً لإمكانية الاقتراحات المختلفة، سواء أكان مسرح إعادة البناء أو مسرح الأمل. يجب أن يمتلك المسرح وظيفة اختبار حجج العدمية المعاصرة، وأيضاً كيف يمكن أن يوجه أي شخص إلى شيء آخر غير العدمية. وفي تعريجه على المسرح المعاصر، يؤكد باديو بأن المسرح الذي يمتلك القوة، والكثافة انحدر بطريقة أحادية ناحية البعد النقدي، وهي التي تبرز تراجيديا العالم المعاصر. وكأن المسرح، اليوم، إلى حد ما مسرح الاغتراب العام، ومسرح المعاناة والجريمة، مشبهاً إيه بـ النسخة المتواضعة طبق الأصل من العالم، ولذلك يرى (آلان) ضرورة العودة إلى الديالكتيك مجدداً، ولكن بصورة جديدة، ترتكز حول ديالكتيك النص والصورة، بدون تحطيم النص تحت ذريعة التخييل. ففي الواقع، هي ذي المشكلة الحقيقية، التي تتمثل في كوننا نحيا طوراً مجرداً من رؤى الأفكار الكبرى. ولا يتوانا باديو عن إبداء قلقه من كون المسرح يثير أهتمام قلة قليلة من الناس، بل يرى بأن عمومية الإبداع الفني أضحى منذُ القرن التاسع عشر، محل اهتمام جمهور محدد ونوعي، لكنهُ لا يرى بأن ذلك خطأ الإبداع الفني نفسه. إذ يرى بأنهُ لكي يذهب الناس جماعات إلى المسرح، من اللازم أن يوحد المسرح شيئاً مشتركاً بين الجميع. وأن يعرف التوجه إلى ما يجمع بين جميع الناس. يعتقد (آلان) بأن الفن يتطلب نوعاً من الاهتمام الموضوعي، إذ لا يمكن الذهاب إلى المسرح في إطار المنظور الاستهلاكي الخالص؛ إذا وددنا أن نحتفظ بقوة المسرح، وحتى تربويته، من اللازم أن يكون طلب الجمهور الموضوعي بأن ينير المسرح الحالة لكي يتمكن من الدخول إلى المشاكل الحاسمة للإنسانية، وإلى أسئلة توجهات الوجود والفكر، وهذا الحل الذي يقترحه باديو، يخالف توجهات الرأسمالية المعولمة كما يقر هو. إذ يرى بأن المسرح مهدد اليوم على المستوى التجريبي من قبل الوجود الكبير لأشكال التسلية الأخرى كألعاب السيرك، ومشاهد العنف المتطرفة، وأفلام الرعب الدموية، بالإضافة للجانب الديموغوجي في التعليم، والذي يعتبره غير ملائم لما هو مسرحي. وإلى جانب ذلك هناك تهديد ثالث، وهو أن المسرح يقتات على العصر التاريخي، فضلاً عن ذلك، للمسرح لحظاته الكبرى ولحظاته الضعيفة إذ يعتقد (آلان) بأننا نحيا لحظة جذر المسرح، وأنه في هذه الحالة مهدد للغاية، فهذه الحالة تخلق كرة الثلج: المسرح لا يقتات بصورة كافية على الوضع الحالي، على النزعة الثقافية، على التعليم، على الناس... وبالتالي نجد أنه غير حاضر على المستوى الملائم وغير مطروق نوعاً ما. وفي إلقاءه الضوء على المسرح ما بعد الدرامي يقول باديو: أن هذا المسرح هو المسرح الذي تكون فيه مفاهيم النص والشخصيات متشابكة ومهيمنة، أنها فكرة المسرحة التي تبحث عن أصولها خارج المصادر، بين النص والشخصيات، في صورة العالم، تحت شكل الجوقة، وحالات النواح، والكوريغرافيا... وكل ذلك ينزع إلى نقل مركز ثقل مسرح النص إلى الجسد. ويختتم الحوار بسؤال حول علاقة المسرح بالفلسفة، التي تعتبر أكبر اهتمامات باديو، الذي يؤكد العلاقة بينهما، باعتبارها علاقة مزدوجة منذُ القدم، ذلك لأنها تمتلك نزعة فلسفية معينة، ترى إلى أن المسرح مظهر خادع للحقيقة، بما أنه يتعلق بالمحاكاة، واللهو، والمظهر الخادع... وبالتالي هذا النقل للواقع مظهر خادع، يثير قلق الفيلسوف، فهذا الأخير دائماً يقول أحذرو.. نحن نحيا في المظهر الخادع، المظاهر، الأيديولوجيا، الدعاية... لنبحث عن مكان الواقع والحقيقة، لكن (آلان) يرى بأن المسرح يقوم بهذا الفعل لكي يكشف كل ذلك، وبالتالي يقول باديو حينما ألقي محاضرة، أنا قريب من تجربة المسرح! بمعنى أن الفيلسوف يقوم بكشف المظهر الخادع، كما يفعل الممثل، أو المسرح بشكل كلي، على الخشبة.