ثلاث طلقات ستهز منطقة ديليي بلازا في مدينة دلاس الأميركية، وتقطع صخب الجمهور المُتجمع على الطرقات لاستقبال الرئيس جون كينيدي في زيارته للمدينة في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1963، إثنان منها ستستقران في ظهر الرئيس الأميركي الشاب ورأسه. بعد ساعات من وفاة كينيدي سيقبض على المشتبه الرئيسي لي هارفي أوزوالد. بعد يومين سيوجّه جاك روبي - وهو مالك نادي ليليّ مُتعاطف مع رئيسه الراحل -، النار الى قلب أوزوالد، أثناء نقل الشرطة له للتحقيق. عام 1967 سيموت روبي في السجن. الحادثة التي تمر عليها اليوم الذكرى الخمسون، ستُطلق الجدال في الولايات المتحدة الأميركية، وكأن عملية الاغتيال لم تُصب الرئيس فقط، بل ألحقت جرحاً غائراً بالوجدان الأميركي لم يشف منه بعّد. فبعد سنوات معدودة فقط من الحادثة، سيبدأ كُتاب وشخصيات عامة، بتحليل تحقيقات الشرطة الأميركية، لتظهر بعدها الفرضيات عن مقتل الرئيس للسطح الإعلامي. هذا الاهتمام سيتصاعد حتى أصبح من الصعب حَصر الكتب التي تناولت حادثة الاغتيال، او البرامج التلفزيونية التي خصصت لنقاش الموضوعة. السينما بدورها قدمت الحادثة، كما في فيلم للمخرج الأميركي اوليفر ستون مثلاً. ولمناسبة مرور نصف قرن على الحادثة، اختار بعض القنوات التلفزيونية، أن يقدم، ما يعتبر حصيلة عقود من التحقيقات والفرضيات، في برامج ومسلسلات تلفزيونية جديدة عرضت في الأيام القليلة الماضية، كما تنطلق اليوم في الصالات السينمائية الأميركية، عروض فيلم «باركلاند» الذي يرافق الساعات القليلة التي أعقبت اغتيال الرئيس. اللافت أن هذه البرامج والمسلسلات اختارت منذ البداية أن تتمسك بنظرياتها الخاصة عن حادثة الاغتيال، وألا تبحث في النظريات الأخرى، او توليها العناية المناسبة، فبدت هذه البرامج أحياناً، وكأنها خلاصة جُهود كتابها، وليست محاولات تحقيقية جديدة، تحلل ظروف الحادثة بمباضع عصرنا الحالي. فبرنامج «جي أف كي: ذي سموكنيغ غون» التسجيلي الدرامي والذي أنتجته قناة ReelzChannel الأميركية، يستند الى جهود المحقق الأسترالي كولن ماكلارين، وهو أحد الذين كرسّ سنوات من حياته لدراسة الحادثة. يُحقق كولن ماكلارين بإمكانية أن يصيب لي هارفي أوزوالد هدفه، بخاصة مع الامكانات المتوافرة له وقتها. يُعيد البرنامج تمثيل الحادثة، مستعيناً بسلاح مشابه للذي استعمله أوزوالد من البناية التي تشرف على الــشارع الذي مرّ منه الموكب الرئاسي. بعد ذلك يتجه التحقيق التلفزيوني لإثبات نظرية، أن أحد حراس كينيدي، والذي تحرك بعد أن سمع الطلقة الأولى، قــام بإطلاق النار خطأ على رأس الرئيس، وأن الجهاز الأمني الأميركي اختار أن يُغطي على هذا الفـشل، بالحـفـاظ عــلى سـريّة ما حَدث. في المقابل لا يُخالف مسلسل «قتل كينيدي» والذي عرض على قناة «ناشيونال جيوغرافيك» ونال نسبة مشاهد مرتفعة، النظرية الرسمية للحادثة، لكنه سيمنح قصة لي هارفي أوزوالد الكثير من الاهتمام، والذي فاق ذلك الذي ناله الرئيس نفسه في المسلسل. إذ يظهره الأخير كشاب مريض نفسياً مهووس بالشهرة، ذهب الى الاتحاد السوفياتي في عز الحرب الباردة، للالتحاق بالشيوعية، وعاد منها بعد سنوات، لأنه صُدِمَ بالحياة هناك. على رغم البذخ الإنتاجي الواضح، والأداء الجيد للممثلين، إلا أن المسلسل يُخفق في منح النظرية الرسمية للحادثة، الإقناع الكافي، ولم يفسر المسلسل الأسباب التي جعلت أوزوالد يقدم على قتل الرئيس الأميركي. أما برنامج «اليوم الذي مات فيه كينيدي» الذي عرضته قناة «آي تي في» التجارية البريطانية فلا ينشغل بالجهة التي تقف خلف مقتل الرئيس، بمقدار تركيزه على التفاصيل الإنسانية للحادثة، فيقابل الأحياء من العاملين في المستشفى الذي استقبل الرئيس الراحل، ويعيد أفلمة شهادات من رحلوا. وعلى رغم عدد البرامج الكبير عن اغتيال كينيدي، واجتهاد بعضها لتقديم الحادثة من زوايا جديدة، الا أن كل الـمادة المُقدمة، لم تصل الى مستوى التأثير الذي يحمله الفيلم القصير الذي صوّره احد الهواة للحادث وقتها. فالارتعاش الخفيف في جسد الرئيس الشاب عندما أصابته الطلقة الأولى، ثم الهزة المدوية مع الطلقة الثانية، ورعب الزوجة المُحبّة التي كانت تجلس الى جواره، ما زالت بين أكثر الصور شهرة.