خيبة أمل مريرة خيمت على أبناء جنوب السودان بعد التراجع المفاجئ للرئيس سلفاكير ميارديت عن اتفاق السلام الذي وقعه ممثل الحكومة باقان آموم مع زعيم المتمردين رياك مشار، أمام أنظار العالم الاثنين الماضي. وفي محاولة لتبرير خطوته المرتبكة قال سلفاكير إن الاتفاق لا يضمن تجدد الحرب بسبب انشقاق جنرالات كبار في جيش مشار المتمرد قبل أيام من نهاية المهلة الممنوحة من المجتمع الدولي لطرفي الصراع. وبالمقابل قدمت حكومته تبريراً مغايراً عندما وصفت الاتفاق بأنه وثيقة استسلام، وقالت إن باقان الذي وقع ممثلاً لحكومة جوبا وبحضور الرئيس سلفاكير لا يمثل إلا نفسه. وأضافت أنها تحتاج إلى 15 يوماً لدراسة الاتفاق وتحديد موقفها إزاءه. تبريران متناقضان يكشفان أن ما حدث في العاصمة الإثيوبية لا يعدو كونه مناورة صغيرة أخرى، لتحقيق مكاسب سياسية لا صلة لها بتحقيق السلام أو إنهاء البؤس والمعاناة الناجمة عن استمرار الحرب المدمرة. فعلى مدى جولات التفاوض السابقة توصل طرفا الصراع إلى اتفاق حول غالبية بنود وثيقة السلام التي طرحها وسطاء منظمة إيقاد، ومن بينها قضية اقتسام السلطة وتشكيل حكومة انتقالية تمهد لإجراء انتخابات، بينما انحصرت النقاط الخلافية في قضايا فرعية مثل مستوى تمثيل المتمردين في ولايات أعالي النيل وإبقاء جوبا مدينة منزوعة السلاح وإعادة دمج الميليشيات في الجيش. إن وقف الحرب الأهلية في هذه المرحلة هو قبل كل شيء قضية بقاء للدولة الناشئة نفسها، كما لقادتها السياسيين والعسكريين، فقد حصدت الحرب مئات الآلاف وتعاظمت مشاعر الكراهية العرقية إلى مستويات لا سابق لها، وتقول الإحصاءات إن أكثر من 70 في المئة من سكان جنوب السودان يحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة وتهددهم المجاعة. وتسببت الحرب في تشريد 2,2 مليون شخص. تراجع سلفاكير عن توقيع الاتفاق تسبب في خيبة أمل كبيرة لشعبه الذي عانى ويلات الحرب قبل انفصال جنوب السودان وبعد إعلانه دولة مستقلة، وعلى الرغم من أنه أبقى الباب مفتوحاً أمام عودته مجدداً إلى أديس أبابا لتوقيع الاتفاق، إلا أن الأمم المتحدة هددت بفرض عقوبات تطال القيادات السياسية هذه المرة، وقالت الإدارة الأمريكية إنها ستمنح الرئيس مهلة ال15 يوماً التي طلبها للتشاور لكنها ستبدأ بعد ذلك بفرض عقوبات على حكومة جنوب السودان إذا فشلت في توقيع اتفاق وقف الحرب. وفي الجانب الآخر، كسب زعيم المتمردين رياك مشار تعاطف المجتمع الدولي بتوقيعه على الاتفاق خلافاً للتوقعات التي رجحت رفضه له بسبب تدخل أوغندا التي تدعم حكومة جوبا في صياغة واستبدال بعض بنود الوثيقة الأصلية. وقال في تصريحات للصحفيين بعد توقيعه لا نقول إنها مثالية. في اتفاق يقوم على تسوية لا يحصل المرء على كل ما يريده، ولكن كانت فرصة بالنسبة إلينا لوقف الحرب. وفي كل الأحوال فإن جوبا أبدت استعدادها للإفراج عن الوثيقة بعد 15 يوماً، لكن هل يضمن توقيعها نهاية العداء؟ shiraz982003@yahoo.com