أتابع وغيري من الملايين العرب، سلوك الشباب العربي، ومشاركتهم الهستيرية بقتل أبناء جلدتهم من المحيط إلى الخليج، تارة بالأحزمة الناسفة، وتارة أخرى بالسكاكين والمطاوي، ثم تصويرهم لأنفسهم أمام كاميرات الآيفون والجلكسي، بكل أناقة وثبات، ملقين خطبة بليغة، يعلنون فيها عن شعورهم الأجوف بأنهم من «أهل الجنة»! وفي الديوانية، يستمع المرء إلى تحليلات ساذجة لسلوك الشباب العربي/ الإسلامي الدميم، عبر الركون إلى مجموعة التبسيطات والمقولات العربية والإسلامية والعالمية المسيخة، التي سمعناها كثيراً كـ قول أحدهم من دون فهم «هذا صراع الحضارات...» ورد آخر عليه: «بل هذا الحراك نتيجة مقولة أن الإسلام هو الحل»... وغيرها من المقولات المُعلبة. أنه لابد من العودة برأيي ها هنا إلى بعض المفكرين غير التقليديين، الذين يشعر المرء معهم بأنهم لا يعرقلون مغامرة الأفكار! المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905- 1973) بالنسبة لي، من أبرز من أجابوا على أسئلة الواقع العربي، بفضل اتكائه على ثقافة منهجيَّة نستطيع بواسطتها أن نضع يدنا على جروح هذا العالم المتخلِّف، وفوضاه الراهنة. كان بن نبي- بدرجة لافتة للنظر- أهم مفكر حاول أن يبحث في أبعاد مشاكل المسلمين... ونقول أهم، لأنه يكاد يكون أول من أودع منهجا محددا في بحثها؛ وفي كتابه المعروف (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة)، نجده ينتقد بشدة «تجنيد الأقلام والأفكار والأموال للدفاع عن الدين الإسلامي، من هجمات المستشرقين»، معللاً ذلك، بأنه صرف للأموال والأقلام والأفكار عن الأشياء الجدية! إذا مسألة نهوض المسلمين عند مفكرنا بن نبي، ليست في دفاع الشباب المتطرف عن الإسلام، ولكن في تعليم المسلم كيفية الدفاع عن نفسه، بعيداً عن «... عالم الميتافيزيقا»، وتحديداً من خلال طرح المشكلات المتعلقة بذهنية المسلم، من خلال نظريات علم الاجتماع! المشكلة التي يعتقد الأصولي بأنها في جوهرها عداوة أو مواجهة بين حضارتين، ليست حقيقية! ومحاولة إعداد مرافعات بليغة لتشنيف آذاننا في هذا السياق لن تفرز لنا سوى شباباً يملك خطاباً متهافتاً وواهماً، من دون عمق، على غرار... الخطب العصماء... لأولئك الشاب الذين يفجرون انفسهم عقب ليلة غنائية عنوانها «حفلة عريس إلى الجنة»! يتحلق فيها مجموعة مسلحة في حفلة توديع وكأن الانتحاري ذاهب إلى حفلة عرس تمهيدا للزواج من الحور العين! هنا يلفت بن نبي الانتباه في كتابه (شروط النهضة) إلى أن: «العالم الإسلامي يتعاطى هنا حبة ضد الجهل، ويأخذ قرصاً ضد الاستعمار، وفي مكان قصي يتناول عقاراً كي يشفى من الفقر... ولكننا حين نبحث عن حالته عن كثب لن نلمح شبح البرء، أي أننا لن نجد حضارة»! ولا حضرة لعقل غوغائي خطابي خائر، حدد موقفا وانتماء واضحا بالمعنى السلبي من الحياة! * أستاذ النقد والأدب aliali2222@hotmail.com