لقد ظللت لعامين أعمل ضمن فريق بحث يدرس حياة «عمال البيانات»، الذين يتولون وظائف تتنوع بين تعديل اللوغاريتمات من أجل تحسين نتائج محركات البحث، وبين ملء وتنظيم أوراق زيارة الأطباء. وقد أجرينا مقابلات مع مئات الأشخاص في الولايات المتحدة والهند الذين يؤدون العمل الرقمي اللازم من أجل جعل الإنترنت يبدو منظما ذاتيا بشكل سحري. يمثل العمل في هذا المجال مناخا مصغرا، لكن سريع النمو في النظام البيئي الذي يعرف باسم اقتصاد المنصة. وتشهد هذه الأنشطة التجارية ازدهارا من خلال صلات تربط بين الإنترنت، وتطبيقات الهواتف الذكية، ومواقع التواصل الاجتماعي. من الصعب تصديق ذلك، لكن ليس لدينا إحصاء دقيق لهذه القوى العاملة رغم أن تقديرات خبراء الاقتصاد تشير إلى أنها ستصل إلى 30 في المائة من سوق العمل الأميركية بحلول عام 2035. والرئيسي في هذا المجال ليس مديرا في مستوى وسيط، بل «سطح تفاعلي لبرمجة التطبيق»، وهو برنامج يتم نشره عبر منصة شبكة قائمة على نظام الحوسبة السحابية. وتعمل المنصة، التي تمتلكها وتتولى تشغيلها شركات مثل «أمازون»، و«أبوورك (أو ديسك سابقا»، و«ليد جينيس»، مع السطح التفاعلي لبرمجة التطبيق من أجل إنشاء حسابات العاملين، والتحقق منها والتعامل مع تدفق الملايين من إعلانات الوظائف على الإنترنت، والمدفوعات المستحقة للأشخاص، بمجرد انتهائهم من مهامهم وتقديمها للحصول على موافقة «صاحب العمل» غير المرئي. طبقا لاستطلاعات رأي أجريت مع الآلاف من هؤلاء العاملين، بتنا نعرف الكثير عنهم ومنها أنهم يعملون لمدة تتراوح بين 30 و50 ساعة متواصلة أسبوعيا، ويتقاضون من سنتين إلى بضعة دولارات مقابل المهمة الواحدة. ويعتمدون على منتديات العمال في مشاركة المعلومات الخاصة بكيفية التسجيل في المنصات، والوظائف التي يمكن أن يفكروا فيها، و«عارضي المهام» الذين ينبغي تجنبهم، بل وحتى عن كيفية أداء وظائف بعينها عندما تغفل التعليمات المتاحة تفاصيل رئيسية مهمة. وتقدم المنصات نفسها معلومات قليلة عن الذين ينشرون الوظائف. وعلى العمال البحث في آلاف المهام المنشورة على الموقع يوميا، واختيار الوظائف التي تستحق بذل الجهد سريعا. ويمكن لعارض المهمة من جانب واحد رفض العمل الذي أتمه العامل ودفع الأجر المستحق له، ولا يوجد أي نظام يتيح للناس الطعن على قرار الرفض. كذلك لا تتيح المنصة للعاملين الترويج لقدراتهم. ولن يساعد تعزيز التعاون بين هؤلاء العاملين في جني أرزاقهم على نحو أفضل فحسب، بل من شأنه أيضا أن يساعد الأعمال، والأشخاص الذين يبحثون عن أفضل من ينجز المهمة المطلوبة. ومن أسباب الاستنزاف المرتفع لمن يعملون في هذا القطاع أن الكثيرين منهم يفشلون في الوصول إلى منتديات العاملين، أو معرفة طريقة للتواصل مع آخرين في اقتصاد تحت الطلب. يحتاج هذا الاقتصاد الجديد أكثر من أي شيء آخر إلى دخول طرف ثالث يسمح لهؤلاء العاملين بإثراء سيرتهم الذاتية، وتكوين سمعة جيدة بمعزل عن المنصة. ينبغي أن يتمكنوا من الحصول على سجل إنجازاتهم أيا كان موقع مهمتهم التالية. ومن شأن هذا السجل أن يكون بمثابة مكتب أداء أفضل لاقتصاد تحت الطلب، يتيح التأكد من هوية العاملين وسمعتهم مع توفير التكاليف، التي تتكبدها شركات المنصة وعارضو المهام، من أجل منع الأشخاص العابثين من إمطار المنصة بأعمال متدنية المستوى أو تتضمن احتيالا. لا يتمتع العاملون حاليا بأي حقوق تتيح لهم الطعن على وقف حساباتهم، أو عدم إعطائهم أجورهم مما يجعلهم بلا ملاذ تقريبا. لقد قابلنا الكثير من الأشخاص ممن تم وقف حساباتهم على المنصة دون إنذار مسبق أو تفسير واضح لسبب اتخاذ مثل هذا الإجراء. إذا كنا نتحدث عن النموذج المثالي، فمن المفترض أن تشارك وزارة العمل الأميركية في إنشاء مثل هذا السجل، وإرساء القواعد الأساسية. وستيسر مشاركتها تتبع القوى العاملة، التي يتزايد عددها بخطى سريعة، وتأثيرها على الاقتصاد. لدى شركات المنصة، والمستهلكين، والعاملين، نصيب ودور في العثور على وسائل لمنع الأفراد من استغلال المنصات، والتلاعب بها في اقتصاد تحت الطلب. مع ذلك علينا معاقبة أصحاب العمل على سوء تصنيف العاملين، وكذا على امتناعهم عن دفع أجورهم في موعدها المستحق، أو الامتناع عن دفعها تماما. ولن يساعد التعامل مع تلك التحديات فحسب في حماية حقوق ملايين الأشخاص، الذين لا يتمتعون بحق العمل لمدة 40 ساعة أسبوعيا، بل سيفيد تحديث «اقتصاد المشاركة»، وزيادة كفاءته وفعاليته، مجال الأعمال أيضًا. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»